ملاحظات ضرورية حول الموقف السوري الراهن
Alquds
الطاهر الأسود
باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالية
بدى خطاب الرئيس السوري الشاب في 15 آب/أغسطس، حسبما أراده صائغوه على ما يبدو، "حاسما" و "مجلجلا"، و الأهم من كل ذلك، "منتقما" بالتحديد من قوى "14 آذار". غير أن ذلك الخطاب بدى نموذجا متناهي الدقة على ما يعتري القيادة السورية من محدودية في التموقع كفاعل مؤثر في المنطقة. ليس الموقف السوري الممانع للبرامج الأمريكية و الاسرائيلية إلا العامل الوحيد الذي يبقي سوريا طرفا يحضى ببعض التعاطف الشعبي العربي. و هو موقف يستحق الثناء، بدون شك. غير أنه لا يستطيع وحده أن يرسي بهذا القطر العربي المحوري في الاتجاه الذي يستحقه. و سواء كان الرئيس الشاب هو المسؤول أو مساعديه، فإنه لا توجد مؤشرات على أية استفاقة سورية تستثمر الموقف السوري الوطني بالشكل الذي يجعله طرفا قياديا في منطقة عربية تعاني من بعض الفراغات الواضحة.
العداء لسوريا و العمالة لإسرائيل
من الواضح الآن أن القيادة السورية تصيغ موقفها تجاه لبنان وشؤونه ليس على أساس المساهمة في ترسيخ وحدة وطنية هشة أساسا بل في اتجاه الحث على تفتيتها وهي بالتالي تتصرف على أساس قاعدة أولوية الولاء للقيادة السورية و ليس المصلحة الاستراتيجية السورية و العربية بشكل عام. و يبدو أن هناك خلطا بالغا في التقييمات السورية بين العداء للقيادة السورية الراهنة و موالاة إسرائيل. السؤال الذي يحتاج تأملا جديا هو التالي: هل عداء قوى "14 آذار" للقيادة السورية الراهنة يجعلها آليا ضمن خانة "العملاء" لإسرائيل كما صرح بذلك الرئيس السوري في الخطاب أعلاه؟ عندما نرجع الى تاريخ العلاقات السورية-اللبنانية خاصة منذ سبعينات القرن الفائت و التدخل السوري العسكري في لبنان سنرى أن الصراع اللبناني السوري لم يكن دائما صراعا بين سوريا و عملاء إسرائيل. لنتذكر أن التدخل السوري في لبنان كان على أساس إنقاذ قوى "الجبهة الوطنية" الموالية لإسرائيل و في صراع بالتحديد مع "القوى المشتركة" التي كانت تمثل الطرف المعادي لإسرائيل في لبنان. و لولا التوافق السوري الأمريكي آنذاك لما أمكن المضي التدخل السوري. يجب التفريق، إذا، و بكل نزاهة بين الموقف من سوريا في لبنان و خانة العمالة لإسرائيل. كان هناك و لا يزال هناك عملاء، أو بشكل أصح حلفاء، لإسرائيل داخل لبنان. و لكن هؤلاء بالتحديد كانوا في أحيان كثيرة حلفاء لنفس النظام السوري الذي لا يزال متواصلا الى اليوم. لا يجب على الرئيس السوري أن يقنع نفسه أن "قوى 14 آذار" هي بالضرورة "عميلة" لإسرائيل إذا كانت ضده. لا يخدم ذلك علاقات سورية لبنانية قوية كما لا يخدم، و هذا الأهم، موقف المقاومة اللبنانية و بقية حلفائها من القوى المعادية لإسرائيل في لبنان. لنأخذ على سبيل المثال "تيار المستقبل" بزعامة الحريري. في الواقع يحظى هذا التيار الآن بتأيد الكثير من السنة في لبنان. و لكن أي ملاحظ يعلم أن أنصار الحريري و بقية القوى السنية المتحالفة معه ليست عميلة إسرائيل بالرغم من التلاعب الخليجي بالزعيم اللبناني المحدود الخبرة. و حتى هذا التلاعب لا يخدم دائما المصلحة الاسرائيلية بقدر ما يخدم تصفية حسابات إقليمية عربية في لبنان.
إن الاجماع اللبناني على "النقاط السبع"، و الذي هو إنجاز في ذاته، تم من قبل "حزب الله" على أساس فهمه و استيعابه و حرصه الكبير على الوحدة الوطنية الداخلية. و في الواقع أثبتت الحرب الاسرائيلية أن طيفا واسعا من قوى "14 آذار" ليس له أية نوايا أو رغبة في تشكيل خطة تكرر "14 أيار". أشار السيد حسن نصر الله الى اعتزازه بهذه النقطة بالذات من خلال إشارته لفشل الاسرائيليين في اختراق القوى اللبنانية و الجيش بهدف توجيهها ضد المقاومة. طبعا هناك طيفا محدودا من قوى "14 آذار" ممن لا يريد تنفيذ خطة "14 أيار" لأنه لا يستطيع ذلك و ليس لأنه لا يريد. غير أنه حتى في تلك الحالة فإنه ليس من مصلحة أحد تعميم توصيف "العمالة". فلقد نجح "حزب الله" بفضل أدائه الميداني في جذب حد أدنى من الالتفاف اللبناني و أحيانا بالرغم من رغبات الكثيرين.
إذا كانت القيادة السورية تحرص أولا وفقط على الحفاظ على و تقوية قوى الرفض اللبناني للمشروع الاسرائيلي و الأمريكي فعليها أن تترك تصريف العلاقات اللبنانية الداخلية لطرف أكثر رصانة مثل الثنائي نصر الله-بري. الصمت السوري في هذه الحالة أفضل بكثير من الكلام.
المقاومة السورية
لا يمكن الالتفاف بأي شكل من الأشكال على الحجة التي تلوح بها بكثير من الانتهازية و اللؤم مختلف القوى الاقليمية العربية المتراخية تجاه سوريا: أين المقاومة السورية في الجولان؟ فبالرغم من أن أي من هؤلاء جاد في دعوته القيادة السورية للمقاومة بل أنه ربما يسارع في التحريض عليها إن فعلت، فإن ذلك ليس مبررا لعدم التساؤل بجدية عن دواعي الدعم السوري للمقاومة في لبنان و عدم القيام بأي شيء عندما يتعلق الأمر بالجولان. بل أن سوريا تسارع لتأكيد عدم سورية مزارع شبعا لدعم استمرار المقاومة في الجنوب اللبناني. في حين تترك الجولان المحتل و الذي لا يجادل أحد من ناحية القانون الدولي حول سوريته من دون أي مواجهة فعلية. يقول الرئيس السوري "المقاومة ليست بالضرورة العسكرية فحسب بل هي أيضا سياسية و ثقافية". و هذا صحيح إذا كان المتحدث شخص محارب، مثل حسن نصر الله، لإقناع سامعيه أنه يحتاج لتنويع أشكال المقاومة. غير أن المتحدث هنا ممتنع بالأساس عن المبادرة بأي مقاومة عسكرية في الجولان. و هنا يعرف الجميع العلاقة القوية للنظام السوري مع سكان الجولان بالرغم من الاحتلال و لا يبدو أنه سيكون عاجزا على المبادرة بأي شيئ إذا أراد. غير أن أحد معضلات التفكير الاستراتيجي السوري و منذ عصر الراحل حافظ الأسد هو تصوره للصراع العسكري مع إسرائيل إلا ضمن حدود الحرب النظامية و "التوازن الاستراتيجي". غير أن "التوازن الجديد للقوى" و منذ سنوات أثبت أن تنظيمات شعبية تحت الاحتلال راسخة في قطريتها هي الأنجع في مواجهة الآلة العسكرية الاسرائيلية (أنظر مقالنا ""في التوازن الجديد للقوى: شعبية التنظيمات الفلسطينية و اللبنانية" ميدل إست أونلاين 21 تموز 2006). و بالرغم من حديث الرئيس السوري الشاب عن الأجيال الجديدة للمقاومة فإنه لا يبدو ماسكا بما يمكن لسوريا أن تقوم به في إطار الظروف و الوسائل الجديدة. و لكن هل تستطيع القيادة السورية و حزب البعث الحاكم القيام بتجربة حرب شعبية حقيقية في الجولان السوري حتى و إن كان يستطيع المبادرة بأعمال عسكرية؟ هذا تساؤل هيكلي بالأساس و يطرح في الواقع تساؤلات جدية حول نجاعة استمرارية النظام السوري بتركيبته السياسية المحدودة الراهنة. و هو ما يطرح إشكالية الوضع السياسي الداخلي في سوريا.
حول الاستمرارية في الجمود السياسي
كان خطاب 15 آب/أغسطس و "التفاعل الشعبي" المبرمج خلاله و ما حام حوله من تمجيد للرئيس السوري نموذجا على الجمود السياسي البالغ الذي تعاني منه القيادة السورية "الشابة". و قد كان هناك الكثير من الآمال حتى مؤتمر حزب البعث في الصائفة الماضية حول احتمالات قيادة الرئيس السوري لـ"إصلاح داخلي بطيء" في أقل الأحوال. غير أن القيادة السورية استمرت في الرغبة على المحافظة على حزب البعث في الحكم كأولية في تقييم بقية القوى السورية الفاعلة. و هكذا فعلى الجميع القبول بقيادة حزب فاقد للشعبية في مرحلة خطيرة تحتاج إلتحاما روحيا و سياسيا قويا بالشعب السوري. و هذا شرط لا يرسخ قاعدة جدية للدفاع عن سوريا من التحديات الخارجية الأمريكية-الاسرائيلية. و من الواضح أن القيادة السورية تتجه للتمركز حول ذاتها و طرد المخالفين على أساس أنهم مجرد عملاء لإسرائيل، أي نفس الخطأ الذي ترتكبه في لبنان و الذي يدفع تجاه إسرائيل كل طرف لا يواليها بشكل أعمى.
إن الرئيس السوري تسلم حكما جاهزا بشكل وراثي و ليس لأنه كفؤ بالضرورة. تبرز محدودية الرئيس السوري عندما يحاول الارتجال. بدى ذلك خصوصا عندما رأى أن "نجاح خطابه" يعتمد على ما يتعرض اليه من "هجوم". عندما نحاول مقارنة هذه النبرة الطفولية مع نبرة السيد نصر الله، الذي اقتلع زعامته بأسنانه و بعد الكثير من التضحيات الميدانية و الذي كان شابا في يوم من الأيام من دون أن يكون طفوليا، فإننا لا نستطيع أن نتفاءل كثيرا بما يمكن أن يقدمه الرئيس السوري لسوريا في المرحلة العصيبة القادمة. نقول ذلك بكل أسف و نحن نعلم أن القيادة السورية مازالت تحافظ على حد أدنى وطني مشرف عندما يقارن ببقية المواقف الرسمية العربية. إن إعادة تركيب قواعد اللعبة سوريا في الاتجاهات الثلاثة آنفة الذكر وحده الذي سيجعل ذلك الموقف الوطني المشرف موقفا ناجعا من الناحية السياسية و مؤثرا في التطورات التاريخية التي ستقبل عليها المنطقة. و هنا تقف القيادة السورية على مفترق طرق: بين "شرق أوسط قديم" كانت للأنظمة الرسمية فيه حساباتها الكثيرة غير المنسجمة مع غالبية مواطنيها و أكثر استعدادا للتوصل لاتفاقيات غير منصفة مع القوى الاقليمية و الدولية المهيمنة، و "شرق أوسط جديد" تتكون فيه قيادات شعبية جديدة أكثر تناغما مع غالبية مواطني المنطقة و أقل تجاوبا مع الصفقات الاقليمية و الدولية غير العادلة.
">Link
الطاهر الأسود
باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالية
بدى خطاب الرئيس السوري الشاب في 15 آب/أغسطس، حسبما أراده صائغوه على ما يبدو، "حاسما" و "مجلجلا"، و الأهم من كل ذلك، "منتقما" بالتحديد من قوى "14 آذار". غير أن ذلك الخطاب بدى نموذجا متناهي الدقة على ما يعتري القيادة السورية من محدودية في التموقع كفاعل مؤثر في المنطقة. ليس الموقف السوري الممانع للبرامج الأمريكية و الاسرائيلية إلا العامل الوحيد الذي يبقي سوريا طرفا يحضى ببعض التعاطف الشعبي العربي. و هو موقف يستحق الثناء، بدون شك. غير أنه لا يستطيع وحده أن يرسي بهذا القطر العربي المحوري في الاتجاه الذي يستحقه. و سواء كان الرئيس الشاب هو المسؤول أو مساعديه، فإنه لا توجد مؤشرات على أية استفاقة سورية تستثمر الموقف السوري الوطني بالشكل الذي يجعله طرفا قياديا في منطقة عربية تعاني من بعض الفراغات الواضحة.
العداء لسوريا و العمالة لإسرائيل
من الواضح الآن أن القيادة السورية تصيغ موقفها تجاه لبنان وشؤونه ليس على أساس المساهمة في ترسيخ وحدة وطنية هشة أساسا بل في اتجاه الحث على تفتيتها وهي بالتالي تتصرف على أساس قاعدة أولوية الولاء للقيادة السورية و ليس المصلحة الاستراتيجية السورية و العربية بشكل عام. و يبدو أن هناك خلطا بالغا في التقييمات السورية بين العداء للقيادة السورية الراهنة و موالاة إسرائيل. السؤال الذي يحتاج تأملا جديا هو التالي: هل عداء قوى "14 آذار" للقيادة السورية الراهنة يجعلها آليا ضمن خانة "العملاء" لإسرائيل كما صرح بذلك الرئيس السوري في الخطاب أعلاه؟ عندما نرجع الى تاريخ العلاقات السورية-اللبنانية خاصة منذ سبعينات القرن الفائت و التدخل السوري العسكري في لبنان سنرى أن الصراع اللبناني السوري لم يكن دائما صراعا بين سوريا و عملاء إسرائيل. لنتذكر أن التدخل السوري في لبنان كان على أساس إنقاذ قوى "الجبهة الوطنية" الموالية لإسرائيل و في صراع بالتحديد مع "القوى المشتركة" التي كانت تمثل الطرف المعادي لإسرائيل في لبنان. و لولا التوافق السوري الأمريكي آنذاك لما أمكن المضي التدخل السوري. يجب التفريق، إذا، و بكل نزاهة بين الموقف من سوريا في لبنان و خانة العمالة لإسرائيل. كان هناك و لا يزال هناك عملاء، أو بشكل أصح حلفاء، لإسرائيل داخل لبنان. و لكن هؤلاء بالتحديد كانوا في أحيان كثيرة حلفاء لنفس النظام السوري الذي لا يزال متواصلا الى اليوم. لا يجب على الرئيس السوري أن يقنع نفسه أن "قوى 14 آذار" هي بالضرورة "عميلة" لإسرائيل إذا كانت ضده. لا يخدم ذلك علاقات سورية لبنانية قوية كما لا يخدم، و هذا الأهم، موقف المقاومة اللبنانية و بقية حلفائها من القوى المعادية لإسرائيل في لبنان. لنأخذ على سبيل المثال "تيار المستقبل" بزعامة الحريري. في الواقع يحظى هذا التيار الآن بتأيد الكثير من السنة في لبنان. و لكن أي ملاحظ يعلم أن أنصار الحريري و بقية القوى السنية المتحالفة معه ليست عميلة إسرائيل بالرغم من التلاعب الخليجي بالزعيم اللبناني المحدود الخبرة. و حتى هذا التلاعب لا يخدم دائما المصلحة الاسرائيلية بقدر ما يخدم تصفية حسابات إقليمية عربية في لبنان.
إن الاجماع اللبناني على "النقاط السبع"، و الذي هو إنجاز في ذاته، تم من قبل "حزب الله" على أساس فهمه و استيعابه و حرصه الكبير على الوحدة الوطنية الداخلية. و في الواقع أثبتت الحرب الاسرائيلية أن طيفا واسعا من قوى "14 آذار" ليس له أية نوايا أو رغبة في تشكيل خطة تكرر "14 أيار". أشار السيد حسن نصر الله الى اعتزازه بهذه النقطة بالذات من خلال إشارته لفشل الاسرائيليين في اختراق القوى اللبنانية و الجيش بهدف توجيهها ضد المقاومة. طبعا هناك طيفا محدودا من قوى "14 آذار" ممن لا يريد تنفيذ خطة "14 أيار" لأنه لا يستطيع ذلك و ليس لأنه لا يريد. غير أنه حتى في تلك الحالة فإنه ليس من مصلحة أحد تعميم توصيف "العمالة". فلقد نجح "حزب الله" بفضل أدائه الميداني في جذب حد أدنى من الالتفاف اللبناني و أحيانا بالرغم من رغبات الكثيرين.
إذا كانت القيادة السورية تحرص أولا وفقط على الحفاظ على و تقوية قوى الرفض اللبناني للمشروع الاسرائيلي و الأمريكي فعليها أن تترك تصريف العلاقات اللبنانية الداخلية لطرف أكثر رصانة مثل الثنائي نصر الله-بري. الصمت السوري في هذه الحالة أفضل بكثير من الكلام.
المقاومة السورية
لا يمكن الالتفاف بأي شكل من الأشكال على الحجة التي تلوح بها بكثير من الانتهازية و اللؤم مختلف القوى الاقليمية العربية المتراخية تجاه سوريا: أين المقاومة السورية في الجولان؟ فبالرغم من أن أي من هؤلاء جاد في دعوته القيادة السورية للمقاومة بل أنه ربما يسارع في التحريض عليها إن فعلت، فإن ذلك ليس مبررا لعدم التساؤل بجدية عن دواعي الدعم السوري للمقاومة في لبنان و عدم القيام بأي شيء عندما يتعلق الأمر بالجولان. بل أن سوريا تسارع لتأكيد عدم سورية مزارع شبعا لدعم استمرار المقاومة في الجنوب اللبناني. في حين تترك الجولان المحتل و الذي لا يجادل أحد من ناحية القانون الدولي حول سوريته من دون أي مواجهة فعلية. يقول الرئيس السوري "المقاومة ليست بالضرورة العسكرية فحسب بل هي أيضا سياسية و ثقافية". و هذا صحيح إذا كان المتحدث شخص محارب، مثل حسن نصر الله، لإقناع سامعيه أنه يحتاج لتنويع أشكال المقاومة. غير أن المتحدث هنا ممتنع بالأساس عن المبادرة بأي مقاومة عسكرية في الجولان. و هنا يعرف الجميع العلاقة القوية للنظام السوري مع سكان الجولان بالرغم من الاحتلال و لا يبدو أنه سيكون عاجزا على المبادرة بأي شيئ إذا أراد. غير أن أحد معضلات التفكير الاستراتيجي السوري و منذ عصر الراحل حافظ الأسد هو تصوره للصراع العسكري مع إسرائيل إلا ضمن حدود الحرب النظامية و "التوازن الاستراتيجي". غير أن "التوازن الجديد للقوى" و منذ سنوات أثبت أن تنظيمات شعبية تحت الاحتلال راسخة في قطريتها هي الأنجع في مواجهة الآلة العسكرية الاسرائيلية (أنظر مقالنا ""في التوازن الجديد للقوى: شعبية التنظيمات الفلسطينية و اللبنانية" ميدل إست أونلاين 21 تموز 2006). و بالرغم من حديث الرئيس السوري الشاب عن الأجيال الجديدة للمقاومة فإنه لا يبدو ماسكا بما يمكن لسوريا أن تقوم به في إطار الظروف و الوسائل الجديدة. و لكن هل تستطيع القيادة السورية و حزب البعث الحاكم القيام بتجربة حرب شعبية حقيقية في الجولان السوري حتى و إن كان يستطيع المبادرة بأعمال عسكرية؟ هذا تساؤل هيكلي بالأساس و يطرح في الواقع تساؤلات جدية حول نجاعة استمرارية النظام السوري بتركيبته السياسية المحدودة الراهنة. و هو ما يطرح إشكالية الوضع السياسي الداخلي في سوريا.
حول الاستمرارية في الجمود السياسي
كان خطاب 15 آب/أغسطس و "التفاعل الشعبي" المبرمج خلاله و ما حام حوله من تمجيد للرئيس السوري نموذجا على الجمود السياسي البالغ الذي تعاني منه القيادة السورية "الشابة". و قد كان هناك الكثير من الآمال حتى مؤتمر حزب البعث في الصائفة الماضية حول احتمالات قيادة الرئيس السوري لـ"إصلاح داخلي بطيء" في أقل الأحوال. غير أن القيادة السورية استمرت في الرغبة على المحافظة على حزب البعث في الحكم كأولية في تقييم بقية القوى السورية الفاعلة. و هكذا فعلى الجميع القبول بقيادة حزب فاقد للشعبية في مرحلة خطيرة تحتاج إلتحاما روحيا و سياسيا قويا بالشعب السوري. و هذا شرط لا يرسخ قاعدة جدية للدفاع عن سوريا من التحديات الخارجية الأمريكية-الاسرائيلية. و من الواضح أن القيادة السورية تتجه للتمركز حول ذاتها و طرد المخالفين على أساس أنهم مجرد عملاء لإسرائيل، أي نفس الخطأ الذي ترتكبه في لبنان و الذي يدفع تجاه إسرائيل كل طرف لا يواليها بشكل أعمى.
إن الرئيس السوري تسلم حكما جاهزا بشكل وراثي و ليس لأنه كفؤ بالضرورة. تبرز محدودية الرئيس السوري عندما يحاول الارتجال. بدى ذلك خصوصا عندما رأى أن "نجاح خطابه" يعتمد على ما يتعرض اليه من "هجوم". عندما نحاول مقارنة هذه النبرة الطفولية مع نبرة السيد نصر الله، الذي اقتلع زعامته بأسنانه و بعد الكثير من التضحيات الميدانية و الذي كان شابا في يوم من الأيام من دون أن يكون طفوليا، فإننا لا نستطيع أن نتفاءل كثيرا بما يمكن أن يقدمه الرئيس السوري لسوريا في المرحلة العصيبة القادمة. نقول ذلك بكل أسف و نحن نعلم أن القيادة السورية مازالت تحافظ على حد أدنى وطني مشرف عندما يقارن ببقية المواقف الرسمية العربية. إن إعادة تركيب قواعد اللعبة سوريا في الاتجاهات الثلاثة آنفة الذكر وحده الذي سيجعل ذلك الموقف الوطني المشرف موقفا ناجعا من الناحية السياسية و مؤثرا في التطورات التاريخية التي ستقبل عليها المنطقة. و هنا تقف القيادة السورية على مفترق طرق: بين "شرق أوسط قديم" كانت للأنظمة الرسمية فيه حساباتها الكثيرة غير المنسجمة مع غالبية مواطنيها و أكثر استعدادا للتوصل لاتفاقيات غير منصفة مع القوى الاقليمية و الدولية المهيمنة، و "شرق أوسط جديد" تتكون فيه قيادات شعبية جديدة أكثر تناغما مع غالبية مواطني المنطقة و أقل تجاوبا مع الصفقات الاقليمية و الدولية غير العادلة.
">Link
0 Comments:
Post a Comment
<< Home