حول لاديمقراطية النظام الانتخابي الأمريكي
حول لاديمقراطية النظام الانتخابي الأمريكي: "التصويت الشعبي" (Popular vote) و "التصويت المنتخَب" (Electoral vote)
الطاهر الأسود
باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالية
تكثفت في الفترة الأخيرة الأصوات الداعية لإصلاح النظام الانتخابي الأمريكي القائم على عدد محدد من "الأصوات المتخبة" (Electoral votes) عن كل ولاية (538 صوتا) عوضا عن تمثيله لمجموع الاصوات المتخِبة أي "التصويت الشعبي" (Popular vote) وهو الأمر المعتمد في معظم بلدان العالم. و تصف هاته الأصوات مثل هذا النظام الانتخابي باللايمقراطية بسبب عدم تمثيله لأصوات المواطنين الأمريكيين بشكل متساوي. و من أهم الدراسات التي صدرت في هذا المجال كتاب نُشر في الصيف الماضي لأستاذ العلوم السياسية في جامعة تكساس جورج ادواردس (George Edwards) و الذي لاقى اهتماما خاصا من قبل أولائك الداعين لتغيير النظام الانتخابي و هو ما انعكس مثلا في أحد المقالات الصادرة أخيرا (عدد نوفمبر 2004) في المجلة الليبرالية "هاربارس" (s'Harper). و مثل هذا الجدال المتصاعد يتخذ حدة و أهمية خاصة في الانتخابات الحالية في ظل التقارب الكبير بين المترشحين و الانعكايات الكبيرة التي ستنتج عن إنتخاب أي منهما.
فيما يتمثل النظام الانتخابي الأمريكي؟
يعكس هذا النظام السلطة القوية التي تتمتع بها الولايات في النظام الفدرالي الأمريكي: حيث لا تُحتسب أصوات ناخبي كل ولاية في إطار مجموع أصوات بقية المواطنين الأمريكيين بل يتم تلخيصها في نسبة معينة من الأصوات تمثل بشكل عام (و لكن ليس بالدقة الكافية) حجم الولاية (ولاية كاليفورنيا كثيرة السكان لديها مثلا 55 صوتا و الينوي الأقل لديها 24 صوتا و ولاية ويومنغالصغيرة 3 أصوات) و يمكن وصفها بأنها "أصوات الولاية". و هكذا مهما كانت عدد الأصوات الممنوحة لأي من الناخبين فإن المتفوق منهم في كل ولاية حتى بعدد قليل من الأصوات يتحصل على كل "أصوات الولاية". غير أن "أصوات" كل ولاية لا تعكس بشكل دقيق حجمها السكاني. و هكذا فإن النتيجة المثيرة لذلك تتمثل في أنه يمكن لأحد المترشحين التحصل على أغلبية أصوات المواطنين الأمريكيين على مستوى الولايات المتحدة غير أنه لا يتحصل على أغلبية "أصوات الولايات" و بالتالي تحصل المفارقة المتمثلة في أن المترشح الأكثر شعبية لا يفوز ضرورة بالانتخابات. و أقرب مثال على ذلك هو ما حصل في انتخابات سنة 2000 حينما فاز ال غور بالـ"التصويت الشعبي" (بفارق طفيف: حوالي 540 ألف صوت) في حين فاز الرئيس بوش بـ"التصويت المنتخب" (بفارق صوت واحد ضمن له الأغلبية أي: 270 صوتا). و هكذ مثلا في ولاية فلوريدا حصل كل من المترشحين على حوالي 3 ملايين صوت و لكن بسبب التفوق الضئيل جدا لصالح بوش (537 صوتا) فإن كل الأصوات الـ 27 الممثلة للولاية مُنحت للأخير وهو ما يعني عمليا عدم صلوحية أصوات الثلاث ملايين مواطن في ولاية فلوريدا المساندين لال غور.
الظرف التاريخي لتشكل النظام الانتخابي الأمريكي
طبعا لم ينشأ هذا النظام الانتخابي بشكل اعتباطي أو من خلال صيغة دكتاتورية و هكذا فإنه سيبقى مدعاة للاستغراب إن لم يتم وضعه في إطاره التاريخي. فخلال مداولات إقرار الدستور الأمريكي سنة 1787 و الذي تم بحضورالممثلين المنتَخبين للولايات الأمريكية الناشئة انذاك أصر ممثلو الولايات ذات الحجم السكاني الصغير على منحهم نسب قارة من المجالس التشريعية الفدرالية و نسبة قارة من الأصوات في انتخاب الرئيس الأمريكي و ذلك حتى لا تفرض عليهم الولايات الكبيرة (مثل نيو يورك و بنسيلفانيا) إرادتها. و أمام تهديدهم بالانسحاب إن لم يتم الاستجابة لمطالبهم اضطر ممثلو الولايات الكبيرة قبول مبدأ النسب القارة فيما سُمي انذاك بـ"التوافق العظيم". و من ضمن الصيغ التي تم إقرارها أنه مهما كانت نسبة سكان كل ولاية فإنها تتحصل على الأقل على مقعدين في مجلس النواب الأمريكي. و هو ما اعتبره ادواردس أحد المؤشرات على أن ما تم لا يعكس "توافقا" بقدر ما يعكس تنازلا أضر منذ البداية بأسس عدالة التمثيل الانتخابي. غير أن قائمة الأسباب الداعية لقوله و الكثيرين مثله بلاعدالة النظام الانتخابي الأمريكي تتجاوز ذلك لتشمل عناصر تقوض أساسا المساواة المبدئية بين المواطنين و الطبيعة الديمقراطية للدولة المعلنة في الدستور الأمريكي.
اللامساواة بين أصوات المواطنين الأمريكيين
يبرهن القائلون باللامساواة بين المواطنين الأمريكيين على أطروحتهم من خلال معطيات رقمية دقيقة. و من ذلك أن النواب الممثلين للولايات الستة و عشرين الأصغر سكانيا في الولايات المتحدة (28% فقط من مجمل السكان) يمسكون بأغلبية مقاعد مجلس النواب. و بالنسبة للانتخابات الرئاسية فإن "الصوت المنتخب" الواحد في ولاية كاليفورنيا (من مجموع 55 صوتا) يمثل حوالي 645 ألف مواطن في حين لا يمثل "الصوت المنتخب" بالنسبة لولاية ويومنغ (من مجموع 3 أصوات) إلا حوالي 167 ألف مواطن: و هكذا فالقيمة الانتخابية لكل مواطن في الولاية الأخيرة تساوي قيمة أربعة مواطنين من الولاية الأولى.
الأغلبية الخيالية
هناك أعداد كبيرة من المواطنين الذين لا تمثل أصواتهم أية قيمة خاصة من صفوف الأقليات العرقية أو السياسية. فالمعروف مثلا أن أغلب الأمريكيين الأفارقة (السود) يعيشون في الولايات الجنوبية في حين يصوت أغلب مواطني هذه الولايات في العادة لصالح مرشح الحزب الجمهوري، و هكذا مهما كان عدد المصوتين السود لصالح مرشح الحزب الديمقراطي فإن أصواتهم لن تنعكس على مستوى "أصوات الولاية" و بالتالي فإن أصواتهم غير صالحة عمليا. و في المقابل فإن المحافظين المساندين لمرشح الحزب الجمهوري في ولايات يصوت أغلب مواطنيها لصالح المرشح الديمقراطي (مثل الولايات الشمالية الشرقية) لن تنعكس كذلك على مستوى "أصوات الولاية". و في جميع الأحوال فإن المنتمين لطرف ثالث مخالف للحزبين الديمقراطي و الجمهوري (مثل الخضر أو "التحرريين") لا يمكن لهم أن يشكلوا قوة انتخابية بفعل تشتت أصواتهم بين الولايات و التي يشكلون فيها عموما أقلية غير معتبرة. هكذا تعكس الانتخابات وجهتي نظر فقط: الأصولية المسيحية في الولايات الجنوبية (ذات التوجه الجمهوري) و الانسانوية المعتدلة في الولايات الشمالية (ذات التوجه الديمقراطي عادة). و في النهاية فإن المرشحين يتمسكون بـ"اقليمية" معينة تعكس ولاءهم غير المتساوي جغرافيا لأجزاء من البلاد دون أخرى: فالمرشح الجمهوري مثلا لا يتحمل عناء القيام بحملة انتخابية في الولايات الشمالية و هو ما يؤدي لتجاهل اهتماماتها و مطالبها. و هكذا لا يتم التعامل مع المواطن الأمريكي كفرد يحمل الجنسية الأمريكية بل يتم التعامل مع مجموعات مصالح (مصالح الولايات المتأرجحة بين المرشحين) أو مجموعات محددة على أساس غير مواطنيتهم بل بسبب كثافتهم في ولايات تتصف بتأرجحها (مثل اليهود و الكوبيين الأمريكين في ولاية فلوريدا).
التحيل
الولايات المتأرجحة (Swing states) و التي تحدد عادة الانتخابات الأمريكية بفعل تأرجحها بين المرشحين ينتصر فيها عادة المرشح بفارق ضئيل جدا من الأصوات (في انتخابات سنة 2000: 0.22% في ولاية ويسكونسن و 0.01 % في ولاية فلوريدا) وهو ما يؤدي لتزايد إحتمالات التزوير بفعل الأهمية الكبير لكل صوت فيها. و بسبب إشراف سلط الولايات على تنظيم الانتخابات فإن الولاء السياسي للولاة يؤثر بقوة على احتمالات التزوير: و هكذا في ولاية فلوريدا مثلا حيث يحكم جب بوش (أخ الرئيس بوش) فقد تم إعتماد صيغة التصويت الالكتروني (Direct Recording Electronic System) في كثير من الدوائر الانتخابية و هي صيغة لا تسمح بالتثبت من العملية الانتخابية و لا حتى إعادة إحتساب الأصوات بسبب عدم توفر وصولات ورقية و بسبب تعلق هذه الصيغة بإشراف مباشر لمسؤولي الولاية و ليس لأشخاص مستقلين. بالإصافة الى ذلك أقر المجلس التشريعي لولاية فلوريدا (و الذي يسيطر عليه الجمهوريون) و بشكل وقائي قانونا يحرم إعادة إحتساب الأصوات.
و بشكل عام فإن الصيغة الحالية للنظام الانتخابي الامريكي ستعرض "التوافق العظيم" لخطر التقويض خاصة إذا تزايد الأنقسام الفكري و السياسي بين الناخبين الأمريكيين في ظل التحولات التي تشهدها الولايات المتحدة و تحديدا الميولات الامبراطورية لجزء من نخبها الساسية. فمن الواضح الان أن من أهم المسائل المحددة للانتخابات الحالية هي مسألة السياسة الخارجية الأمريكية و ذلك لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة.
صحيفة القدس العربي 10 تشرين الثاني 2004
الطاهر الأسود
باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالية
تكثفت في الفترة الأخيرة الأصوات الداعية لإصلاح النظام الانتخابي الأمريكي القائم على عدد محدد من "الأصوات المتخبة" (Electoral votes) عن كل ولاية (538 صوتا) عوضا عن تمثيله لمجموع الاصوات المتخِبة أي "التصويت الشعبي" (Popular vote) وهو الأمر المعتمد في معظم بلدان العالم. و تصف هاته الأصوات مثل هذا النظام الانتخابي باللايمقراطية بسبب عدم تمثيله لأصوات المواطنين الأمريكيين بشكل متساوي. و من أهم الدراسات التي صدرت في هذا المجال كتاب نُشر في الصيف الماضي لأستاذ العلوم السياسية في جامعة تكساس جورج ادواردس (George Edwards) و الذي لاقى اهتماما خاصا من قبل أولائك الداعين لتغيير النظام الانتخابي و هو ما انعكس مثلا في أحد المقالات الصادرة أخيرا (عدد نوفمبر 2004) في المجلة الليبرالية "هاربارس" (s'Harper). و مثل هذا الجدال المتصاعد يتخذ حدة و أهمية خاصة في الانتخابات الحالية في ظل التقارب الكبير بين المترشحين و الانعكايات الكبيرة التي ستنتج عن إنتخاب أي منهما.
فيما يتمثل النظام الانتخابي الأمريكي؟
يعكس هذا النظام السلطة القوية التي تتمتع بها الولايات في النظام الفدرالي الأمريكي: حيث لا تُحتسب أصوات ناخبي كل ولاية في إطار مجموع أصوات بقية المواطنين الأمريكيين بل يتم تلخيصها في نسبة معينة من الأصوات تمثل بشكل عام (و لكن ليس بالدقة الكافية) حجم الولاية (ولاية كاليفورنيا كثيرة السكان لديها مثلا 55 صوتا و الينوي الأقل لديها 24 صوتا و ولاية ويومنغالصغيرة 3 أصوات) و يمكن وصفها بأنها "أصوات الولاية". و هكذا مهما كانت عدد الأصوات الممنوحة لأي من الناخبين فإن المتفوق منهم في كل ولاية حتى بعدد قليل من الأصوات يتحصل على كل "أصوات الولاية". غير أن "أصوات" كل ولاية لا تعكس بشكل دقيق حجمها السكاني. و هكذا فإن النتيجة المثيرة لذلك تتمثل في أنه يمكن لأحد المترشحين التحصل على أغلبية أصوات المواطنين الأمريكيين على مستوى الولايات المتحدة غير أنه لا يتحصل على أغلبية "أصوات الولايات" و بالتالي تحصل المفارقة المتمثلة في أن المترشح الأكثر شعبية لا يفوز ضرورة بالانتخابات. و أقرب مثال على ذلك هو ما حصل في انتخابات سنة 2000 حينما فاز ال غور بالـ"التصويت الشعبي" (بفارق طفيف: حوالي 540 ألف صوت) في حين فاز الرئيس بوش بـ"التصويت المنتخب" (بفارق صوت واحد ضمن له الأغلبية أي: 270 صوتا). و هكذ مثلا في ولاية فلوريدا حصل كل من المترشحين على حوالي 3 ملايين صوت و لكن بسبب التفوق الضئيل جدا لصالح بوش (537 صوتا) فإن كل الأصوات الـ 27 الممثلة للولاية مُنحت للأخير وهو ما يعني عمليا عدم صلوحية أصوات الثلاث ملايين مواطن في ولاية فلوريدا المساندين لال غور.
الظرف التاريخي لتشكل النظام الانتخابي الأمريكي
طبعا لم ينشأ هذا النظام الانتخابي بشكل اعتباطي أو من خلال صيغة دكتاتورية و هكذا فإنه سيبقى مدعاة للاستغراب إن لم يتم وضعه في إطاره التاريخي. فخلال مداولات إقرار الدستور الأمريكي سنة 1787 و الذي تم بحضورالممثلين المنتَخبين للولايات الأمريكية الناشئة انذاك أصر ممثلو الولايات ذات الحجم السكاني الصغير على منحهم نسب قارة من المجالس التشريعية الفدرالية و نسبة قارة من الأصوات في انتخاب الرئيس الأمريكي و ذلك حتى لا تفرض عليهم الولايات الكبيرة (مثل نيو يورك و بنسيلفانيا) إرادتها. و أمام تهديدهم بالانسحاب إن لم يتم الاستجابة لمطالبهم اضطر ممثلو الولايات الكبيرة قبول مبدأ النسب القارة فيما سُمي انذاك بـ"التوافق العظيم". و من ضمن الصيغ التي تم إقرارها أنه مهما كانت نسبة سكان كل ولاية فإنها تتحصل على الأقل على مقعدين في مجلس النواب الأمريكي. و هو ما اعتبره ادواردس أحد المؤشرات على أن ما تم لا يعكس "توافقا" بقدر ما يعكس تنازلا أضر منذ البداية بأسس عدالة التمثيل الانتخابي. غير أن قائمة الأسباب الداعية لقوله و الكثيرين مثله بلاعدالة النظام الانتخابي الأمريكي تتجاوز ذلك لتشمل عناصر تقوض أساسا المساواة المبدئية بين المواطنين و الطبيعة الديمقراطية للدولة المعلنة في الدستور الأمريكي.
اللامساواة بين أصوات المواطنين الأمريكيين
يبرهن القائلون باللامساواة بين المواطنين الأمريكيين على أطروحتهم من خلال معطيات رقمية دقيقة. و من ذلك أن النواب الممثلين للولايات الستة و عشرين الأصغر سكانيا في الولايات المتحدة (28% فقط من مجمل السكان) يمسكون بأغلبية مقاعد مجلس النواب. و بالنسبة للانتخابات الرئاسية فإن "الصوت المنتخب" الواحد في ولاية كاليفورنيا (من مجموع 55 صوتا) يمثل حوالي 645 ألف مواطن في حين لا يمثل "الصوت المنتخب" بالنسبة لولاية ويومنغ (من مجموع 3 أصوات) إلا حوالي 167 ألف مواطن: و هكذا فالقيمة الانتخابية لكل مواطن في الولاية الأخيرة تساوي قيمة أربعة مواطنين من الولاية الأولى.
الأغلبية الخيالية
هناك أعداد كبيرة من المواطنين الذين لا تمثل أصواتهم أية قيمة خاصة من صفوف الأقليات العرقية أو السياسية. فالمعروف مثلا أن أغلب الأمريكيين الأفارقة (السود) يعيشون في الولايات الجنوبية في حين يصوت أغلب مواطني هذه الولايات في العادة لصالح مرشح الحزب الجمهوري، و هكذا مهما كان عدد المصوتين السود لصالح مرشح الحزب الديمقراطي فإن أصواتهم لن تنعكس على مستوى "أصوات الولاية" و بالتالي فإن أصواتهم غير صالحة عمليا. و في المقابل فإن المحافظين المساندين لمرشح الحزب الجمهوري في ولايات يصوت أغلب مواطنيها لصالح المرشح الديمقراطي (مثل الولايات الشمالية الشرقية) لن تنعكس كذلك على مستوى "أصوات الولاية". و في جميع الأحوال فإن المنتمين لطرف ثالث مخالف للحزبين الديمقراطي و الجمهوري (مثل الخضر أو "التحرريين") لا يمكن لهم أن يشكلوا قوة انتخابية بفعل تشتت أصواتهم بين الولايات و التي يشكلون فيها عموما أقلية غير معتبرة. هكذا تعكس الانتخابات وجهتي نظر فقط: الأصولية المسيحية في الولايات الجنوبية (ذات التوجه الجمهوري) و الانسانوية المعتدلة في الولايات الشمالية (ذات التوجه الديمقراطي عادة). و في النهاية فإن المرشحين يتمسكون بـ"اقليمية" معينة تعكس ولاءهم غير المتساوي جغرافيا لأجزاء من البلاد دون أخرى: فالمرشح الجمهوري مثلا لا يتحمل عناء القيام بحملة انتخابية في الولايات الشمالية و هو ما يؤدي لتجاهل اهتماماتها و مطالبها. و هكذا لا يتم التعامل مع المواطن الأمريكي كفرد يحمل الجنسية الأمريكية بل يتم التعامل مع مجموعات مصالح (مصالح الولايات المتأرجحة بين المرشحين) أو مجموعات محددة على أساس غير مواطنيتهم بل بسبب كثافتهم في ولايات تتصف بتأرجحها (مثل اليهود و الكوبيين الأمريكين في ولاية فلوريدا).
التحيل
الولايات المتأرجحة (Swing states) و التي تحدد عادة الانتخابات الأمريكية بفعل تأرجحها بين المرشحين ينتصر فيها عادة المرشح بفارق ضئيل جدا من الأصوات (في انتخابات سنة 2000: 0.22% في ولاية ويسكونسن و 0.01 % في ولاية فلوريدا) وهو ما يؤدي لتزايد إحتمالات التزوير بفعل الأهمية الكبير لكل صوت فيها. و بسبب إشراف سلط الولايات على تنظيم الانتخابات فإن الولاء السياسي للولاة يؤثر بقوة على احتمالات التزوير: و هكذا في ولاية فلوريدا مثلا حيث يحكم جب بوش (أخ الرئيس بوش) فقد تم إعتماد صيغة التصويت الالكتروني (Direct Recording Electronic System) في كثير من الدوائر الانتخابية و هي صيغة لا تسمح بالتثبت من العملية الانتخابية و لا حتى إعادة إحتساب الأصوات بسبب عدم توفر وصولات ورقية و بسبب تعلق هذه الصيغة بإشراف مباشر لمسؤولي الولاية و ليس لأشخاص مستقلين. بالإصافة الى ذلك أقر المجلس التشريعي لولاية فلوريدا (و الذي يسيطر عليه الجمهوريون) و بشكل وقائي قانونا يحرم إعادة إحتساب الأصوات.
و بشكل عام فإن الصيغة الحالية للنظام الانتخابي الامريكي ستعرض "التوافق العظيم" لخطر التقويض خاصة إذا تزايد الأنقسام الفكري و السياسي بين الناخبين الأمريكيين في ظل التحولات التي تشهدها الولايات المتحدة و تحديدا الميولات الامبراطورية لجزء من نخبها الساسية. فمن الواضح الان أن من أهم المسائل المحددة للانتخابات الحالية هي مسألة السياسة الخارجية الأمريكية و ذلك لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة.
صحيفة القدس العربي 10 تشرين الثاني 2004