أزمة الأقطار العربية غير النفطية وآفاق انتاج وقود الإيثانول
Middle East Online and Alquds
الطاهر الأسود
تعيش الولايات المتحدة هذه الأيام نقاشا متصاعدا حول ارتفاع أسعار الطاقة وخاصة النفط وتأثيره على المستهلك العادي. وتتوجه أسهم كثيرة ضد كبار مالكي صناعة النفط وخاصة الشركة الأكبر "إكسون" (Exxon) والتي حققت في الأشهر القليلة الأخيرة أرباحا قياسية ليس فقط مقارنة بمثيلاتها بل أيضا بكبار الشركات الأميركية بشكل عام. ولكن بفضل وجود حد أدنى من النقاش الحر تدفع أصوات إعلامية أميركية متزايدة وأوساط استثمارية تجاه كسر طوق اللوبي النفطي الأميركي والذي يسعى لتحبيط أي اتجاه يحاول مواجهة ما يتم ترويجه حول استحالة ايجاد أي بديل جدي للطاقة النفطية على المدى القريب أو حتى البعيد. وفي الواقع حتى الآن لا تبدو أسعار النفط في الولايات المتحدة مرتفعة كثيرا مقارنة مع الأقطار الأوروبية ففي حين يبلغ سعر اللتر الواحد من البنزين المصفى في الأولى حوالي 0,8 دولار يصل في معظم دول الاتحاد الأوروبي الى أكثر من 1,6 دولار. بالإضافة الى ذلك فإن الولايات المتحدة دولة نفطية في حين لا تملك معظم الأقطار الأوروبية اية احتياطيات نفطية جدية. غير أن الدول غير النفطية من خارج نادي الأغنياء ستعاني بالتأكيد أكثر كلما تصاعدت أسعار النفط وهو للأسف السيناريو الأقرب حسب أغلب المحللين. وعموما بالرغم من هذه المفارقة فإن النقاش حول هذه المسألة الخطيرة في الأقطار النامية غير النفطية لا يبدو في مستوى الحدث بعد مقارنة بما يحدث في دولة نفطية أصلا مثل الولايات المتحدة. وهو الحال بشكل خاص في الأقطار العربية غير النفطية، محور هذا المقال.
هنا يجب التأكيد على نقطة أساسية: لا تتعلق هذه الأزمة أساسا باللون السياسي للحاكم حيث هي شاملة وعميقة الى الحد الذي تهم فيه أي طرف سياسي في الأقطار المعنية. وهكذا هي أزمة "فوق سياسية" الى حد ما حيث لا يمكن لأحد بما في ذلك أطراف المعارضة الراهنة المزايدة على أي طرف آخر من خلال الادعاء بأنه يملك حلا "فوريا" و"جذريا". لكن في المقابل هناك حدود سياسية للنقاش الراهن حيث تفرض نزعة "حوار الأنظمة مع نفسها" في كثير من الحالات والاستبعاد الميكانيكي لكل ما يمكن أن يعكر صفو "الاطمئنان العام" الى تهميش المشاكل الاقتصادية أو تأجيلها أو تحميلها بشكل أبوي لمجموعة صغيرة من "الخبراء" يقعون هم ذاتهم ضمن حدود سياسية لا يمكن أن يقاوموها في حالة سيادة الصمت العام. في هذه الحالة تتحول معالجة المشكلة الاقتصادية من مسألة تهم الخبرة والمعرفة فقط الى مجال أشمل يهم مسألة بسيطة في الظاهر ولكنها ضرورية في الواقع العربي الراهن وهي القدرة على التفكير الجيد.
أزمة الأقطار العربية غير النفطية
في المحور المقابل للأقطار العربية النفطية وعلى عكس التصور النمطي الغربي الذي يعادل بين "العربي" و"النفطي" توجد قائمة طويلة من الدول العربية غير النفطية. ويمكن تحديد قائمة الأقطار العربية "غير النفطية" على أساس قاعدة الأقطار العربية المحتاجة لاستيراد النفط وهي قائمة متغيرة ولكنها في حالة تزايد. وحسب احصاءات "منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول" (OAPEC) فإنه يمكن أن نرى كيف تراجع عدد أعضاء المنظمة وتحول بعض الأقطار من كونها أقطارا مصدرة الى أقطار مستوردة مثل تونس حيث زاد الاستهلاك مقابل ثبات أو النمو البطيء جدا للموارد النفطية. وقد كانت تونس حسب احصائيات سنة 2003 دولة مصدرة للنفط بكمية تعادل 0,31 مليار برميل سنويا وهو ما يوازي حوالي 0,03% من مجمل الصادرات النفطية العالمية. ولكن هذا الفائض الزهيد الموجه للتصدير لا يبدو كافيا لاعتبار عدد من الأقطار العربية "مصدرة للبترول" وهو ما ينطبق أيضا على أقطار أخرى تمتلك العضوية في (OAPEC) ولكن انتاجها الضعيف والذي يوفر بالكاد كمية زهيدة من النفط للتصدير يمكن أن يجعلها في ظل أي تقلبات عالمية وازياد الاستهلاك الداخلي المتوقع في حاجة للاستيراد ومن ثمة التحول الى أقطار في حاجة لاستيراد النفط وهو ما ينطبق على الأقطار التالية: فسوريا كانت تصدر حسب احصائيات 2003 ما يعادل 3,15 مليار برميل أي أقل من 0,3%، ومصر كانت تصدر 3,7 مليار برميل سنويا أي حوالي 0,35%، والبحرين صدرت في نفس السنة 0,13 مليار برميل أي 0,01% من الصادرات العالمية. إلى جانب هذه الأقطار العربية والتي هي في الطريق لتصبح أقطارا محتاجة للنفط هناك أقطار أخرى تعاني أصلا من عجز كبير في النفط وهو ما ينطبق على أقطار ذات أهمية استراتيجية وسكانية كبيرة مثل اليمن والأردن والمغرب.
إن هشاشة القدرات النفطية لن تكون في المستقبل مجرد نقص بل ستصبح مصدرا أساسيا لاستنزاف خطير تضاف الى استنزافات اقتصادية أخرى بتأثير العولمة وخاصة الظروف الجديدة التي تفرضها منافسة السلع الصينية. حيث أصبحت الزيادة في أسعار النفط في وتيرة سريعة لا تسمح بالتقاط الأنفاس كما هي مفاجئة. إن ما سيحدث لا يمكن أن يُصنف كمأزق عابر بل يجب التعامل بشكل جدي معه كـ"أزمة" طويلة الأمد تتناسب بالأساس مع نسق ارتفاع أسعار النفط. وهنا يجب التأكيد على نقطة أساسية يبدو أن حولها إجماع كافي: النسق السريع والكبير بشكل غير متوقع لأسعار النفط في ربع القرن القادم. من الممكن الاستدلال على ذلك بتوقعات مراكز بحث تحضى بالثقة في هذا المجال وهو ما أكدته توقعاتها السابقة. وعلى سبيل المثال فإن مركز بحث تابع لمؤسسة (Canadian Imperial Bank of Commerce) كان توقع في خريف سنة 2005 حين كان سعر البرميل 66 دولارا أن سعره سيفوق السبعين دولارا مع حلول سنة 2007. وفي الواقع تبدو الأسعار الحالية أعلى من توقعات أطراف أساسية تحضى بالثقة في تقييم أسعار النفط المستقبلية. وحتى التوقعات الأقل تشاؤما مثل تلك التي صدرت سنة 2003 من قبل (Energy Information Administration) تضع أسعار النفط مع حلول سنة 2025 في حدود 48 دولار. في حين كان تقرير لمنظمة الأوبك (OPEC) سنة 2004 توقع أن أسعار النفط سنة 2025 ستبلغ حوالي 52 دولارا. وفي الواقع حتى هذه الأسعار تبدو مرتفعة الكلفة بالنسبة للأقطار المحتاجة لاستيراد النفط خاصة أن كل التوقعات بما في ذلك التي تتباين حول مدى ارتفاع أسعار النفط تُجمع على أن الأسعار لن تتجه للانخفاض في كل الأحوال. وهو في الواقع الأمر الأكثر مدعاة للقلق.
وتوضح الأرقام الحالية حدة تداعيات الازياد الراهن لأسعار النفط على اقتصاديات الأقطار العربية غير النفطية بما في ذلك التي كانت تعتبر نفطية في السنوات القليلة الماضية. وهنا تبدو بعض الأرقام معبرة بشدة عن عمق الازمة الراهن وهو ما ينطبق مثلا على الأرقام التي قدمها وزير المالية التونسي السيد رشيد كشيش في أواخر شهر نيسان/ابريل حيث أشار الى أن ان بقاء سعر البرميل في المستويات الحالية أي بزيادة 15 دولارا مقارنة مع سعر البرميل الذي تم اعتماده في ميزانية 2006 سيجعل من الدعم الذي تتحمله الميزانية يصل إلى ما قيمته 2000 مليون دينار تونسي (أكثر من 1500 مليون دولار) أي ما يعادل ثلاثة أرباع ميزانية التنمية. وفي نفس الاتجاه كانت وزارة الاقتصاد المغربية قد أعلنت منذ سنة 2005 أن ازدياد أسعار النفط آنذاك سيكلف الميزانية تكلفة اضافية تبلغ 720 مليون دولار. وتلخص مثل هذه الأرقام العبء المالي الكبير لهذه الزيادات والذي يكبر مع الكلفة الاضافية التي يتم صرفها على شراء العملة الصعبة أو التي يتم فقدانها مقابل ما يتم ربحه منها من خلال المداخيل السياحية في أقطار سياحية مثل المغرب وتونس.
الإيثانول: بديل واقعي للطاقة النفطية؟
كل الحلول التي لا تتعلق بموارد الطاقة وتحديدا المتعلقة بدعم الميزانية العامة للعجز القائم ممكنة ولكنها ستكون مكلفة ولا يمكن لها أن تكون حلولا على المدى الطويل خاصة في ظل حاجة ميزانيات الأقطار العربية غير النفطية لتقليل الوطأة على ميزانياتها خاصة في ظل انخفاض الموارد الجبائية والذي سيتزايد في ظل الاتفاقيات التجارية الدولية التي التزمت بها والتي تتجه نحو إلغاء التعريفات الجمركية. طبعا هذا ينضاف لمشاكل اقتصادية أخرى غير نفطية وغير جبائية تتعلق أساسا بتهديد صناعات محلية هامة (النسيج في المغرب وتونس مثلا) في ظل المنافسة الصينية الهائلة. وهكذا يبدو أن النقاش يجب أن يتوجه اساسا نحو الحلول المتعلقة بموارد الطاقة وتحديدا تنويعها وهو بالمناسبة اتجاه النقاش في الولايات المتحدة. في هذا الاطار يأتي تأكيد عدد متزايد من الأميركيين على مادة الإيثانول (Ethanol) كبديل واقعي للطاقة النفطية وهو نقاش في حاجة للمتابعة من قبل الأقطار العربية غير النفطية خاصة أن مصدر إعجاب الأميركيين بهذه المادة يرجع بالأساس الى تجربة عدد من الأقطار النامية غير النفطية. وقد كانت هذه التجربة مع نمو استعمال مادة الايثانول كوقود للطاقة في الولايات المتحدة محور نقاشات كثيرة في الفترة الأخيرة بما في ذلك حلقة أخيرة من برنامج "60 دقيقة" (60 minutes) الشهير في قناة سي بي أس (CBS).
يجب التفريق أولا بين الايثانول كمادة كيميائية خام وبين تحويلها الى وقود يصلح للاستهلاك العادي بما في ذلك وقود السيارات. وبالاضافة الى مادة الايثانول يتم استعمال كميات كبيرة من النباتات الفلاحية خاصة قصب السكر أو الشعير أو البطاطا. ويمثل ذلك إضافة الى طريقة التحضير السهلة أسبابا أساسية تجعل من وقود الايثانول الأكثر انخفاضا من حيث الكلفة وهو ما جعله بديلا جديا في بعض الأقطار النامية غير النفطية. وكانت البرازيل تحديدا أول دولة حاولت تجريب انتاج واستعمال وقود الايثانول بشكل جدي وذلك منذ بداية الثمانينات. حيث كان ذلك حلا مزدوجا لمشكلتين مرت بهما ميزانية الحكومة البرازيلية: من جهة أولى ارتفاع أسعار النفط خلال السبعينات والكميات الكبيرة في انتاج قصب السكر والذي أثر على اسعاره من جهة ثانية. وكانت البداية مشجعة خاصة أنها لم تمس كميات قصب السكر القابلة للتصنيع كمادة سكر بل مست أساسا فواضل مرحلة التصنيع وهي المادة الأساسية الثانية بعد الايثانول لانتاج الوقود. وفي الوقت الراهن تعادل الكلفة الجملية لانتاج وقود الايثانول في البرازيل حوالي 0,17 دولار للتر الواحد. وحاليا يسد هذا الوقود نسبة 40% من حاجات البرازيل بالنسبة لوقود السيارات على سبيل المثال. وطبعا أدى ذلك الى التأثير على صناعة السيارات بما أن وقود الايثانول يحتاج محركا مختلفا عن المحرك العادي. غير أن ذلك التحول نحو محركات جديدة تم بشكل سلس ودون فوضى والآن يتم تصنيع سيارات ذات قابلية لتقبل البنزين ووقود الايثانول معا (dual fuel cars). بالاضافة لذلك يتفوق الايثانول من ناحية أخرى لأنه وقود لا يهدد البيئة بما أنه متكون أساسا من مواد نباتية. وقد اتبعت أقطار أخرى التجربة البرازيلية وأصبحت بدورها تعتمد في نسبة كبيرة من استهلاكها للطاقة على الايثانول وهو الحال في كولومبيا والدانمارك وأيضا الولايات المتحدة حيث توجد حوالي 600 محطة وقود تزود وقود الإيثانول حاليا. وبالرغم من التشكيك المستمر من قبل اللوبي النفطي في الولايات المتحدة فإن صناعة الايثانول تمر قدما وتحضى بالتشجيع من قبل بعض الدوائر التشريعية والحكومية.
إن هذه التجارب الناجحة والواقعية والتي استغرقت أقل من 5 سنوات للانتقال الى مرحلة انتاج فعلي وضخم تحتاج الى تأمل جدي من قبل الأقطار العربية غير النفطية خاصة في ظل وجود قطاع فلاحي كبير في عدد من الأقطار المعنية يجعل من التفكير في وقود الايثانول مسألة غير مستحيلة وفي حاجة للدراسة.
الطاهر الأسود
باحث تونسي يقيم في أميركا الشمالية
">Link
الطاهر الأسود
تعيش الولايات المتحدة هذه الأيام نقاشا متصاعدا حول ارتفاع أسعار الطاقة وخاصة النفط وتأثيره على المستهلك العادي. وتتوجه أسهم كثيرة ضد كبار مالكي صناعة النفط وخاصة الشركة الأكبر "إكسون" (Exxon) والتي حققت في الأشهر القليلة الأخيرة أرباحا قياسية ليس فقط مقارنة بمثيلاتها بل أيضا بكبار الشركات الأميركية بشكل عام. ولكن بفضل وجود حد أدنى من النقاش الحر تدفع أصوات إعلامية أميركية متزايدة وأوساط استثمارية تجاه كسر طوق اللوبي النفطي الأميركي والذي يسعى لتحبيط أي اتجاه يحاول مواجهة ما يتم ترويجه حول استحالة ايجاد أي بديل جدي للطاقة النفطية على المدى القريب أو حتى البعيد. وفي الواقع حتى الآن لا تبدو أسعار النفط في الولايات المتحدة مرتفعة كثيرا مقارنة مع الأقطار الأوروبية ففي حين يبلغ سعر اللتر الواحد من البنزين المصفى في الأولى حوالي 0,8 دولار يصل في معظم دول الاتحاد الأوروبي الى أكثر من 1,6 دولار. بالإضافة الى ذلك فإن الولايات المتحدة دولة نفطية في حين لا تملك معظم الأقطار الأوروبية اية احتياطيات نفطية جدية. غير أن الدول غير النفطية من خارج نادي الأغنياء ستعاني بالتأكيد أكثر كلما تصاعدت أسعار النفط وهو للأسف السيناريو الأقرب حسب أغلب المحللين. وعموما بالرغم من هذه المفارقة فإن النقاش حول هذه المسألة الخطيرة في الأقطار النامية غير النفطية لا يبدو في مستوى الحدث بعد مقارنة بما يحدث في دولة نفطية أصلا مثل الولايات المتحدة. وهو الحال بشكل خاص في الأقطار العربية غير النفطية، محور هذا المقال.
هنا يجب التأكيد على نقطة أساسية: لا تتعلق هذه الأزمة أساسا باللون السياسي للحاكم حيث هي شاملة وعميقة الى الحد الذي تهم فيه أي طرف سياسي في الأقطار المعنية. وهكذا هي أزمة "فوق سياسية" الى حد ما حيث لا يمكن لأحد بما في ذلك أطراف المعارضة الراهنة المزايدة على أي طرف آخر من خلال الادعاء بأنه يملك حلا "فوريا" و"جذريا". لكن في المقابل هناك حدود سياسية للنقاش الراهن حيث تفرض نزعة "حوار الأنظمة مع نفسها" في كثير من الحالات والاستبعاد الميكانيكي لكل ما يمكن أن يعكر صفو "الاطمئنان العام" الى تهميش المشاكل الاقتصادية أو تأجيلها أو تحميلها بشكل أبوي لمجموعة صغيرة من "الخبراء" يقعون هم ذاتهم ضمن حدود سياسية لا يمكن أن يقاوموها في حالة سيادة الصمت العام. في هذه الحالة تتحول معالجة المشكلة الاقتصادية من مسألة تهم الخبرة والمعرفة فقط الى مجال أشمل يهم مسألة بسيطة في الظاهر ولكنها ضرورية في الواقع العربي الراهن وهي القدرة على التفكير الجيد.
أزمة الأقطار العربية غير النفطية
في المحور المقابل للأقطار العربية النفطية وعلى عكس التصور النمطي الغربي الذي يعادل بين "العربي" و"النفطي" توجد قائمة طويلة من الدول العربية غير النفطية. ويمكن تحديد قائمة الأقطار العربية "غير النفطية" على أساس قاعدة الأقطار العربية المحتاجة لاستيراد النفط وهي قائمة متغيرة ولكنها في حالة تزايد. وحسب احصاءات "منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول" (OAPEC) فإنه يمكن أن نرى كيف تراجع عدد أعضاء المنظمة وتحول بعض الأقطار من كونها أقطارا مصدرة الى أقطار مستوردة مثل تونس حيث زاد الاستهلاك مقابل ثبات أو النمو البطيء جدا للموارد النفطية. وقد كانت تونس حسب احصائيات سنة 2003 دولة مصدرة للنفط بكمية تعادل 0,31 مليار برميل سنويا وهو ما يوازي حوالي 0,03% من مجمل الصادرات النفطية العالمية. ولكن هذا الفائض الزهيد الموجه للتصدير لا يبدو كافيا لاعتبار عدد من الأقطار العربية "مصدرة للبترول" وهو ما ينطبق أيضا على أقطار أخرى تمتلك العضوية في (OAPEC) ولكن انتاجها الضعيف والذي يوفر بالكاد كمية زهيدة من النفط للتصدير يمكن أن يجعلها في ظل أي تقلبات عالمية وازياد الاستهلاك الداخلي المتوقع في حاجة للاستيراد ومن ثمة التحول الى أقطار في حاجة لاستيراد النفط وهو ما ينطبق على الأقطار التالية: فسوريا كانت تصدر حسب احصائيات 2003 ما يعادل 3,15 مليار برميل أي أقل من 0,3%، ومصر كانت تصدر 3,7 مليار برميل سنويا أي حوالي 0,35%، والبحرين صدرت في نفس السنة 0,13 مليار برميل أي 0,01% من الصادرات العالمية. إلى جانب هذه الأقطار العربية والتي هي في الطريق لتصبح أقطارا محتاجة للنفط هناك أقطار أخرى تعاني أصلا من عجز كبير في النفط وهو ما ينطبق على أقطار ذات أهمية استراتيجية وسكانية كبيرة مثل اليمن والأردن والمغرب.
إن هشاشة القدرات النفطية لن تكون في المستقبل مجرد نقص بل ستصبح مصدرا أساسيا لاستنزاف خطير تضاف الى استنزافات اقتصادية أخرى بتأثير العولمة وخاصة الظروف الجديدة التي تفرضها منافسة السلع الصينية. حيث أصبحت الزيادة في أسعار النفط في وتيرة سريعة لا تسمح بالتقاط الأنفاس كما هي مفاجئة. إن ما سيحدث لا يمكن أن يُصنف كمأزق عابر بل يجب التعامل بشكل جدي معه كـ"أزمة" طويلة الأمد تتناسب بالأساس مع نسق ارتفاع أسعار النفط. وهنا يجب التأكيد على نقطة أساسية يبدو أن حولها إجماع كافي: النسق السريع والكبير بشكل غير متوقع لأسعار النفط في ربع القرن القادم. من الممكن الاستدلال على ذلك بتوقعات مراكز بحث تحضى بالثقة في هذا المجال وهو ما أكدته توقعاتها السابقة. وعلى سبيل المثال فإن مركز بحث تابع لمؤسسة (Canadian Imperial Bank of Commerce) كان توقع في خريف سنة 2005 حين كان سعر البرميل 66 دولارا أن سعره سيفوق السبعين دولارا مع حلول سنة 2007. وفي الواقع تبدو الأسعار الحالية أعلى من توقعات أطراف أساسية تحضى بالثقة في تقييم أسعار النفط المستقبلية. وحتى التوقعات الأقل تشاؤما مثل تلك التي صدرت سنة 2003 من قبل (Energy Information Administration) تضع أسعار النفط مع حلول سنة 2025 في حدود 48 دولار. في حين كان تقرير لمنظمة الأوبك (OPEC) سنة 2004 توقع أن أسعار النفط سنة 2025 ستبلغ حوالي 52 دولارا. وفي الواقع حتى هذه الأسعار تبدو مرتفعة الكلفة بالنسبة للأقطار المحتاجة لاستيراد النفط خاصة أن كل التوقعات بما في ذلك التي تتباين حول مدى ارتفاع أسعار النفط تُجمع على أن الأسعار لن تتجه للانخفاض في كل الأحوال. وهو في الواقع الأمر الأكثر مدعاة للقلق.
وتوضح الأرقام الحالية حدة تداعيات الازياد الراهن لأسعار النفط على اقتصاديات الأقطار العربية غير النفطية بما في ذلك التي كانت تعتبر نفطية في السنوات القليلة الماضية. وهنا تبدو بعض الأرقام معبرة بشدة عن عمق الازمة الراهن وهو ما ينطبق مثلا على الأرقام التي قدمها وزير المالية التونسي السيد رشيد كشيش في أواخر شهر نيسان/ابريل حيث أشار الى أن ان بقاء سعر البرميل في المستويات الحالية أي بزيادة 15 دولارا مقارنة مع سعر البرميل الذي تم اعتماده في ميزانية 2006 سيجعل من الدعم الذي تتحمله الميزانية يصل إلى ما قيمته 2000 مليون دينار تونسي (أكثر من 1500 مليون دولار) أي ما يعادل ثلاثة أرباع ميزانية التنمية. وفي نفس الاتجاه كانت وزارة الاقتصاد المغربية قد أعلنت منذ سنة 2005 أن ازدياد أسعار النفط آنذاك سيكلف الميزانية تكلفة اضافية تبلغ 720 مليون دولار. وتلخص مثل هذه الأرقام العبء المالي الكبير لهذه الزيادات والذي يكبر مع الكلفة الاضافية التي يتم صرفها على شراء العملة الصعبة أو التي يتم فقدانها مقابل ما يتم ربحه منها من خلال المداخيل السياحية في أقطار سياحية مثل المغرب وتونس.
الإيثانول: بديل واقعي للطاقة النفطية؟
كل الحلول التي لا تتعلق بموارد الطاقة وتحديدا المتعلقة بدعم الميزانية العامة للعجز القائم ممكنة ولكنها ستكون مكلفة ولا يمكن لها أن تكون حلولا على المدى الطويل خاصة في ظل حاجة ميزانيات الأقطار العربية غير النفطية لتقليل الوطأة على ميزانياتها خاصة في ظل انخفاض الموارد الجبائية والذي سيتزايد في ظل الاتفاقيات التجارية الدولية التي التزمت بها والتي تتجه نحو إلغاء التعريفات الجمركية. طبعا هذا ينضاف لمشاكل اقتصادية أخرى غير نفطية وغير جبائية تتعلق أساسا بتهديد صناعات محلية هامة (النسيج في المغرب وتونس مثلا) في ظل المنافسة الصينية الهائلة. وهكذا يبدو أن النقاش يجب أن يتوجه اساسا نحو الحلول المتعلقة بموارد الطاقة وتحديدا تنويعها وهو بالمناسبة اتجاه النقاش في الولايات المتحدة. في هذا الاطار يأتي تأكيد عدد متزايد من الأميركيين على مادة الإيثانول (Ethanol) كبديل واقعي للطاقة النفطية وهو نقاش في حاجة للمتابعة من قبل الأقطار العربية غير النفطية خاصة أن مصدر إعجاب الأميركيين بهذه المادة يرجع بالأساس الى تجربة عدد من الأقطار النامية غير النفطية. وقد كانت هذه التجربة مع نمو استعمال مادة الايثانول كوقود للطاقة في الولايات المتحدة محور نقاشات كثيرة في الفترة الأخيرة بما في ذلك حلقة أخيرة من برنامج "60 دقيقة" (60 minutes) الشهير في قناة سي بي أس (CBS).
يجب التفريق أولا بين الايثانول كمادة كيميائية خام وبين تحويلها الى وقود يصلح للاستهلاك العادي بما في ذلك وقود السيارات. وبالاضافة الى مادة الايثانول يتم استعمال كميات كبيرة من النباتات الفلاحية خاصة قصب السكر أو الشعير أو البطاطا. ويمثل ذلك إضافة الى طريقة التحضير السهلة أسبابا أساسية تجعل من وقود الايثانول الأكثر انخفاضا من حيث الكلفة وهو ما جعله بديلا جديا في بعض الأقطار النامية غير النفطية. وكانت البرازيل تحديدا أول دولة حاولت تجريب انتاج واستعمال وقود الايثانول بشكل جدي وذلك منذ بداية الثمانينات. حيث كان ذلك حلا مزدوجا لمشكلتين مرت بهما ميزانية الحكومة البرازيلية: من جهة أولى ارتفاع أسعار النفط خلال السبعينات والكميات الكبيرة في انتاج قصب السكر والذي أثر على اسعاره من جهة ثانية. وكانت البداية مشجعة خاصة أنها لم تمس كميات قصب السكر القابلة للتصنيع كمادة سكر بل مست أساسا فواضل مرحلة التصنيع وهي المادة الأساسية الثانية بعد الايثانول لانتاج الوقود. وفي الوقت الراهن تعادل الكلفة الجملية لانتاج وقود الايثانول في البرازيل حوالي 0,17 دولار للتر الواحد. وحاليا يسد هذا الوقود نسبة 40% من حاجات البرازيل بالنسبة لوقود السيارات على سبيل المثال. وطبعا أدى ذلك الى التأثير على صناعة السيارات بما أن وقود الايثانول يحتاج محركا مختلفا عن المحرك العادي. غير أن ذلك التحول نحو محركات جديدة تم بشكل سلس ودون فوضى والآن يتم تصنيع سيارات ذات قابلية لتقبل البنزين ووقود الايثانول معا (dual fuel cars). بالاضافة لذلك يتفوق الايثانول من ناحية أخرى لأنه وقود لا يهدد البيئة بما أنه متكون أساسا من مواد نباتية. وقد اتبعت أقطار أخرى التجربة البرازيلية وأصبحت بدورها تعتمد في نسبة كبيرة من استهلاكها للطاقة على الايثانول وهو الحال في كولومبيا والدانمارك وأيضا الولايات المتحدة حيث توجد حوالي 600 محطة وقود تزود وقود الإيثانول حاليا. وبالرغم من التشكيك المستمر من قبل اللوبي النفطي في الولايات المتحدة فإن صناعة الايثانول تمر قدما وتحضى بالتشجيع من قبل بعض الدوائر التشريعية والحكومية.
إن هذه التجارب الناجحة والواقعية والتي استغرقت أقل من 5 سنوات للانتقال الى مرحلة انتاج فعلي وضخم تحتاج الى تأمل جدي من قبل الأقطار العربية غير النفطية خاصة في ظل وجود قطاع فلاحي كبير في عدد من الأقطار المعنية يجعل من التفكير في وقود الايثانول مسألة غير مستحيلة وفي حاجة للدراسة.
الطاهر الأسود
باحث تونسي يقيم في أميركا الشمالية
">Link