Saturday, February 17, 2007

"الادارة النيومحافظة" و "المسألة الإيرانية": حول خيار "شيعة أمريكا"

الطاهر الأسود-باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالية
laswadtaher@yahoo.com

هناك اتجاه عام بين عامة المراقبين و المحللين العرب و حتى بعض المراقبين الغربيين لمشهد صناعة القرار الأمريكي و مسألة الدور الإيراني في المنطقة يتميز بطرح الأسئلة الكبرى بكثير من المواراة و الضبابية و أحيانا من خلال مسلمات غير مبررة. يتمثل ذلك تحديدا في المواقف التالية: أن التيار النيومحافظ قد "انتهى" من جهة تأثيره في صناعة القرار الأمريكي، و ذلك متماثل مع ما يُقدم بكثير من التفاؤل غير المبرر و الترديد الانتقائي لمقولة ريتشارد هاس حول "نهاية العصر الأمريكي" في المنطقة. يُضاف الى ذلك أن تقييم السياسة الأمريكية تجاه العراق و إيران يتسم بتداعيات المواقف السابقة: حيث يقع الاطمئنان الى مقولة أنه لم يعد للإدارة الأمريكية من خيارات في العراق سوى الانسحاب الوشيك و أن إيران باتت تملك الكثير من المفاتيح العراقية. أخيرا يقع التركيز على مسألة الصراع الشيعي-السني بشكل يصور المشهد الشيعي كمشهد متجانس (حيث تتموقع في مركزه إيران)، مشهد يملك صانعوه خطة إقليمية واضحة تشق بدون تعرجات المحاور العراقية و اللبنانية و الخليجية و حتى غيرها عربيا.

و في نفس هذا الإطار يوجد تركيز أكبرعلى تفاصيل الأسئلة الصغرى أو الإجرائية و تحديدا مسألة "ما إذا كانت ستهاجم الإدارة الأمريكية إيران". و المشكل أن معالجة هذه المسألة لا يتم من خلال محاولة استيضاح معمق للمسائل الكبرى المذكورة أعلاه بل من خلال استكشاف انتقائي و أحيانا متناقض لتقارير صحافية مثيرة حول تصريحات هذا المسؤول أو ذاك أو هذا العسكري السابق أو ذاك حول أن الهجوم وشيك أم لا.

يأتي هذا المقال لغاية طرح مقاربة مختلفة عما هو سائد لجملة من المسائل و هي أساسا: أولا، مسألة ماهية النفوذ النيومحافظ في الإدراة الأمريكية في الوقت الراهن و علاقة ذلك بماهية السياسة الأمريكية في علاقة بالنظام الإيراني و الوضع في العراق. ثانيا، مسألة طبيعة المشهد الشيعي في إطار تصاعد التجاذب الشيعي السني في المنطقة و تقييم طبيعة الدور الإيراني تجاه مسألة الصراع الطائفي.

إدارة لاتزال نيومحافظة

يخلط البعض بين ما يتمنى أن يحدث و ما يحدث فعلا. ينطبق ذلك على رؤية بعض المحللين لمسألة طبيعة النفوذ النيومحافظ الراهن في الإدارة الأمريكية. فبين إصدار فرانسيس فوكوياما لمقاله ثم كتابه الاعتذاريين بداية سنة 2006 حول "ما بعد التيار النيموحافظ" (After Neoconservatism) و هزيمة الجمهوريين في الانتحابات التشريعية النصفية و ما تلاه مباشرة من إقالة لوزير الدفاع دون رامسفيلد على التوالي في 7 و 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 انجرف الكثيرون في موجة من التهليل العاطفي من خلال تحاليل تبشر بـ"نهاية" التيار النيومحافظ على الأقل على مستوى نفوذه في البيت الأبيض. أتى الاستغناء المتدرج من قبل الرئيس بوش عن بعض نجوم التيار قبل و إثر و بعد ذلك لتأكيد هذا الاعتقاد لدى هؤلاء. و يندرج في هذا الإطار إعفاء ريتشارد بيرل ثم دوغلاس فايثث ثم بول وولفويتز من مهامهم الاستشارية و التنفيذية في البنتاغون ثم القبول باستقالة سكوتر ليبي من "مجلس الأمن القومي" للمثول أمام العدالة و أخيرا التراجع عن ترشيح جون بولتون للممثلية الأميركية في الأمم المتحدة. و لكن اكتملت لدى البعض هذه "الصورة النيومحافظة" المتهاوية منذ عشية الانتخابات التشريعية النصفية عندما نشرت (3 تشرين الثاني/نوفمبر 2006) بشكل فضائحي مجلة "فانيتي فاير" (Vanity Fair) المختصة في الموضة مقالا أصبح عنوانه الساخر (Neo Culpa) دلالة على "نهاية مرحلة". و قد حوى المقال سلسة من التصريحات لسبعة من بين رموز النيومحافظين الأكثر بروزا في مجال الكتابة و التحليل و الذين شغلوا مواقع استشارية في الإدارة الحالية (ريتشارد بيرل، دايفيد فروم، كينيث أديلمان، إيليوت كوهين، مايكل ليدين، فرانك قافناي، مايكل روبن) و هي تصريحات تقوم بنقل أعباء فشل المشروع الأمريكي في العراق على أكتاف وزارة الدفاع و حتى على عاتق الرئيس نفسه. برز من بين هؤلاء الرموز في هذا المقال و في مقالات لاحقة (الواشنطن بوست 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2006) كينيث أدلمان (أكثرهم أناقة) بتصريحات أكثر مباشرة من جهة النبرة النقدية حيث وصف مجمل "فريق الأمن القومي" و خاصة بول بريمر و جورج تينيت بأنهم "عاجزون" و ختم هجومه على رفاق الأمس بالقول "من البديهي أن الرئيس يتحمل المسؤولية في النهاية" خاصة بعد أن منح الأخيرين أكثر ميداليات الشرف رفعة. بدى ذلك، لبعض الراغبين في "نهاية" النيومحافظين، بمثابة طلاق عنيف بل و غادر من حيث التوقيت السياسي خاصة و أن هذه التصريحات جاءت قبيل أيام من الانتخابات النصفية. ثم أتت نتائج تقرير "مجموعة دراسة العراق" (The Iraq Study Group) المعين من قبل الرئيس نفسه (منذ الصيف) و الذي لم يحو تقريبا أي عنصر مقرب من النيومحافظين و كان يخضع لعناصر مقربة من الرئيس بوش الأب بما يعنيه ذلك من هيمنة لممثلي التيار الواقعي (من الحزبين) ليبدو بمثابة فريق العمل المشترك القادم (الديمقراطي-الجمهوري) الذي سيشرف على سياسية تنفيذية جديدة تقطع مع محاور السياسة النيومحافظة. و جاء تعيين أحد أعضائها (غيتس) كوزير دفاع جديد خلفا لرامسفيلد كمؤشر على إمساك فريق غير النيوحمافظين بملف السياسة الخارجية.

غير أن كل ذلك ليس كافيا للانخراط في مقولة نهاية التيار النيومحافظ. فبعد يوم فقط من نشر الواشنطن بوست للتقرير المطول (المتصل بالتقرير المختصر الذي ظهر في "فانيتي فاير") عن تراجع رموز نيومحافظة عن دعم الرئيس بوش نشر الصحفي (المطلع بشكل غير عادي عن شؤون البيت الأبيض) سيمور هيرش في أسبوعية النيويوركر (20 تشرين الثاني/نوفمبر 2006) تقريرا مطولا كذب فيه بشكل مبكر تراجع نفوذ النيومحافظين في تقرير السياسة الخارجية. و كان التقرير (المعنون "العمل القادم") قد كشف أن نائب الرئيس ديك تشيني لم يصبح ممسكا بمفرده بملف السياسة الخارجية برمته (أمر غير معتاد بالنسبة لخطة نائب الرئيس) فحسب بل كان يحضر منذ ما قبل الانتخابات كيف سيتصرف إزاء احتمال انتصار الديمقراطيين في غرفتي الكونغرس. و بمعنى آخر لم تكن نتيجة الانتخابات لتعني شيئا في علاقة بماهية نفوذ النيومحافظين في البيت الأبيض.

أكثر من ذلك لم يكن عزل رامسفيلد في علاقة بضغوط معادية للنيومحافظين بقدر ما كان في علاقة بضغوط من قبل النيومحافظين على الرئيس بوش للتخلص من وزير الدفاع. علينا أن نتذكر هنا أن رامسفيلد قد كان دائما تحت مرمى قطاع واسع من النومحافظين بالرغم من تموقعه ضمن استراتيجيتهم العامة. حيث كان بيل كريستول و كاغان قد بدؤوا ضغوطا مكثفة عليه منذ ما قبل أحداث 11 أيلول/سبتمبر في علاقة بسياسته الدفاعية التي تعمل على استعمال أقل عدد ممكن من الجنود في استراتيجته الدفاعية و هو ما كان يعني تخفيض تكاليف ميزانية الدفاع و هو ما كان مؤشرا خطيرا و مبكرا بالنسبة للمنظرين الأساسيين للتيار النيومحافظ في علاقة بالضرر الذي يمكن أن يحدثه رامسفيلد. و كان لومهم دائما مركزا على رامسفيلد و استراتيجيته الحربية حين الحديث عن "مشاكل" الجيش الأمريكي في العراق حيث كانت الدعوة لزيادة عدد القوات الحل السحري بالنسبة لهؤلاء منذ سنة 2004. و اتخذ الضغط النيومحافظ على رامسفيلد منحى أقوى و أكثر علنية و تنظيما عندما كتبوا عريضة موجهة للكونغرس (أمضاها أقطاب التيار النيوحمافظ بالاضافة لبعض النواب الجمهوريين) بتاريخ 28 كانون الثاني/جانفي 2005 بهدف الضغط على الرئيس و وزير دفاعه للرفع من عدد القوات. و هو الخيار الذي اتجه اليه الرئيس مؤخرا بعد اقالة رامسفيلد الذي رفض دوما القبول بذلك. و هكذا تم الإتيان بشخص من تكساس موالي لآل الرئيس مثلما هو الحال مع روبرت غيتس للقيام تحديدا بمهمة رفع القوات. و على ما يبدو كان وجود غيتس أيضا مهما من زاوية أخرى و هي التقليص من ضغوط النواب الجمهوريين و بعض الديمقراطيين و تصوير تعيين غيتس كمؤشر على رغبة الرئيس في "تغيير المسار". أما التراجع عن تعيين بولتون ممثلا أمريكيا في الأمم المتحدة فلا يمكن أن يكون مؤشرا عن تراجع للتيار النيومحافظ بما أن المرشح البديل الذي تم تقديمه أي زلماي خليلزاد هو أيضا من الأقطاب النيومحافظة. إن المسألة الأهم التي يجب التأكيد عليها أن عزل عناصر نيومحافظة من الإدارة لا يأتي في إطار تراجع نيومحافظ و إنما في علاقة إما بالإيهام برغبة جدية في المراجعة لتقليص الضغوط أو في إطار صراعات ضمن الأوساط النيومحافظة نفسها. إن نفوذ النيومحافظين المتصاعد في السنوات الأخيرة و انتقال رموز من المدرسة الواقعية الى الصف النيومحافظ مثلما هو الحال مع هنري كيسنجر (و الذي تبين خلال الهجوم الاسرائيلي في الصيف الماضي على لبنان أنه كان مستشارا دائما للرئيس و أحد مصادر الخيارات النيومحافظة للإدارة) و هي الظاهرة التي وصفها أهم منظر نيومحافظ تشارلز كراوثمر بتيار "نيومحافظ واقعي"، كل ذلك جعل من الصعب حقا فرز الشخوص النيومحافظة من غيرها و بالتالي حصر التيار النيومحافظ في شخوص محددة.

الهجوم على إيران و النفوذ النيومحافظ

ليس من الصعب تصور المخاطر الكبيرة التي يمكن أن تنشأ (بما في ذلك على القوات الأمريكية نفسها) في حالة حدوث هجوم أمريكي على إيران مهما كانت طبيعته. غير أن كل ذلك لا يعني التيار النيومحافظ حيث لا يمكن أن يشكل ذلك مؤشرا على مدى إمكانية حدوث الهجوم من عدمه. و في الواقع تشكل الخطط الجدية الجاري التحضير لها للهجوم الأمريكي على إيران أهم المؤشرات الدالة على استمرار سيطرة النيومحافظين على مقاليد السياسة الخارجية. يجب التذكير بداية أن وجود غيتس في منصب وزير الدفاع لا يمكن أن يعني ضرورة توجها أمريكيا تصالحيا مع إيران (أو سوريا بالمناسبة) لمجرد أن الأخير كان أحد الداعين خلال ثمانينات القرن الماضي لسياسة "احتواء إيران" و من ثمة الحوار معها. كما علينا أن نتذكر أنه سبق للنيومحافظين تنفيذ سياستهم من خلال تطويع وجوه غير نيومحافظة أو وجوه واقعية مثلما حصل في علاقة بالعراق مع وزير الخارجية السابق كولن باول و الذي يعض على أصابعه الآن للدور الذي قام به في الجلسة التبريرية المشهورة التي قام بها في مجلس الأمن مباشرة قبل الهجوم الأمريكي على العراق.

إن أهم مسألة في علاقة بمسألة "الهجوم الأمريكي المحتمل على إيران" هو معنى ذلك الهجوم و أهدافه الاستراتيجية في علاقة تحديدا بمصير التيار النيومحافظ. و قد بدى من نهاية الانتخابات النصفية أن النيومحافظين باتوا يربطون مصيرهم بـ"المسألة الإيرانية". و كما أشار هيرش في تقريره المشار اليه أعلاه في النيويوركر كان الهم الأساسي بالنسبة لتشيني بعيد الانتخابات هو كيف سيمضي في مشروع ضرب إيران (بغض النظر عن طبيعة الضربة) إزاء الاعتراض المحتمل لغالبية من اديمقراطيين في الكونغرس إضافة الى قطاعات من الجمهوريين. كما ذكر هيرش حسب مصادره من داخل البيت الأبيض أن تشيني و مجموعته المهيمنة على "مجلس الأمن القومي" (خاصة الماسك بملف "الشرق الأوسط" دايفيد وورمسر) و حتى وزيرة الخارجية كوندي رايس وضعوا جميع بيضهم على رهان ضربة عسكرية ضد إيران. و أهم ما ورد في المقال هو أن هذا الرهان يأتي تحديدا في إطار التفكير النيومحافظ في كيفية حل الوضع في العراق بالذات. و هكذا بدى أن سياسة الهجوم على إيران أو سياسة الهروب الى الأمام الأسلوب الرئيس لتخفيف الضغط على الجيش في العراق و بالتالي بمعزل في الحقيقة عن تطورات الملف النووي الإيراني.

و منذ مقال هيرش تتواصل المؤشرات على ربط النيومحافظين نفوذهم في البيت الأبيض و من ثمة مصيرهم بطريقة التعامل مع إيران (و ليس العراق). و يبدو أن الصرخة المدوية (و غير العادية بالمرة) من قبل رمز المدرسة الواقعية راهنا أي زبقنيو برزيزنسكي مستشار الأمن القومي السابق في عهد الرئيس بوش الأب و ذلك في جلسة استماع في الكونغرس (أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ) يوم 1 شباط/فيفري الجاري (2007) أحد أهم المؤشرات الصادرة من خارج الأوساط النيومحافظة على التوجه الجاري الآن نحو إنقاد مشروع الاحتلال في العراق من خلال مشروع جديد في اتجاه إيران. حيث ذكر برزيزنسكي معطيات خطيرة تشير الى أن هناك تخطيط جدي نحو مواجهة المأزق العراقي من خلال اختلاق مواجهة مع إيران خاصة على أساس "تورط إيراني في الارهاب في العراق" أو حتى تحميل الفشل المتوقع للخطط الحربية في العراق على مسؤولية الإيرانيين و من ثمة تقديم الهجوم على إيران على أنه "رد فعل دفاعي".

و قد كتب جوشوا مورافشيك أحد المنظرين الأساسيين للتيار النيومحافظ في عدد شباط/فيفري الجاري من أهم نشرية خاصة بالأوساط الديبلوماسية الأمريكية "مجلة الخدمة الخارجية" (Foreign Service Journal) يدافع تحديدا عن هذه الرؤية. حيث دافع عن خطط الرئيس "الجديدة" بوصفها ستعكس مجرد "تغييرات تكتيكية" و لن تمس "استراتيجيا الدمقرطة" أي الاستراتيجيا النيومحافظة في المنطقة. و حدد "طريق النصر" في العراق بمجموعة من الخطوات على رأسها "زيادة عدد القوات في العراق" و "قصف إيران" (حدد هنا بوضوح "أنا لا أقصد هنا اجتياحا مثما فعلنا في العراق بل ضربات جوية") و مضى هنا الى تبرير هذه الخطوة بوصفها "عمل دفاعي ضروري" بنفس معنى "الحرب الاستباقية" و التي يذكر بها كمفهوم أساسي وردت منذ تقرير 2002 حول "الاستراتيجيا الدفاعية" الأمريكية و هو ما يعني أن الهجوم الإيراني لن يحتاج بالضرورة قرارا أمميا.

في نفس الإطار تأتي التصريحات المتصاعدة لـ"مختص" و "خبير" النيومحافظين في علاقة بالشأن الإيراني مايكل ليدين و الذي كان دائما يشير الى ضرورة المراهنة على "ثورة ديمقراطية" من داخل إيران و أصبح يقبل مؤخرا بإمكانية شن هجوم (محدود) على أساس أن ذلك ضروري "للدفاع عن حياة جنودنا في العراق" (أنظر الحوار الاستفزازي الذي أجراه معه موقع "صالون" Salonالالكتروني يوم 15 كانون الثاني/جانفي 2007). للتذكير فإن ليدين مستشار دائم للبيت الأبيض و خاصة لكارل روف أقرب المقربين للرئيس الأمريكي كما أنه كان وراء السياسة الدعائية الأمريكية التي تربط إيران بـ"الشبكات الارهابية" في العراق بما في ذلك تنظيم القاعدة و قد كانت رؤاه التي تربط الزرقاوي بأجهزة أستخبارية إيرانية ( خاصة في مقال بنشرية "الناشيونال ريفيو" النيومحافظة يوم 9 حزيران/جوان 2006) محل جدل في السابق.

و تتناسب هذه الخطوط العامة كما عبر عنها منظرون بارزون في التيار النيومحافظ مع السياسة الإعلامية الرسمية الأمريكية و خاصة تلك التي تستند الى مصادر استخبارية. حيث توج الأمريكيون أكثر من شهرين من الدعاية المتواصلة في علاقة بـ"وجود أدلة على تورط إيراني في العمليات الارهابية في العراق" بالندوة الصحفية في 11 شباط/فيفري 2007 و التي تم فيها عرض عبوات "مصنعة في إيران" و بطاقات هوية لـ"أعضاء في الحرس الثوري الإيراني". و قد سبق ذلك محطة أكثر أهمية و لو أنها لم تلق رواجا إعلاميا كبيرا. يتعلق ذلك بمحاضرة ألقاها ضابط مخابرات في وزارة الدفاع عمل في العراق و هو أمريكي من أصل عربي ("منير الخمري") و ذلك في مركز بحث مختص في "الارهاب" "جيمستاون فاوندايشن" Jamestown Foundation و ذلك في كانون الثاني/جانفي 2007 حيث عرض لأول مرة سلسلة من المعطيات عن وثائق استخبارية سرية تشير الى حجم التغلغل الاقتصادي و الاستخباري الإيراني في بعض الأوساط الشيعية في العراق و خاصة تهريب الايرانيين لأسلحة و تدريب عناصر موالية فيه (المحاضرة في غاية الأهمية في علاقة بهذا الملف و هي متوفرة كاملة مع مصادرها على موقع "جيمستاون فاوندايشن").

و الضغط العسكري الأمريكي على إيران هو جاري فعلا. كما أشار هيرش في تقريره أعلاه منذ تشرين الثاني 2006 فإن البنتاغون و الاسرائيليين بصدد دعم هجمات الأكراد الإيرانيين ("الحزب من أجل حياة حرة في كردستان") عبر هجمات متواصلة على الحدود العراقية الإيرانية منذ بداية سنة 2006. كما عقد الأمريكيون اجتماعات مع قادة قبليين أكراد و أذريين و إيرانيين سنة (بلوشستان) بهدف تهديد نفوذ السلطة المركزية في طهران. و لكن أهم تحضير لهجوم قادم على أيران يكمن في محور آخر و هو تصنيع حلف شيعي موالي لأمريكا أو ما أسميه بـ"شيعة أمريكا" على مدى المنطقة (في مقابل "سنة أمريكا") لمواجهة إيران و هي المسألة التي لا يتم التركيز عليها في معظم التحاليل حيث يتم التأكيد عادة على "حلف سني أمريكي" و على تصوير الجانب الشيعي على أنه كتلة متجانسة و متمركزة حول إيران. و هكذا يكون "الهجوم" على إيران ليس فقط بضربات موضعية جوية بل أيضا من خلال ضربات سياسية أهمها قص أجنحتها العراقية و تحديدا الأجنحة التي راهنت عليها إيران لصد الضغط الأمريكي الآتي من العراق.

بداية يمكن مقاربة مسألة "شيعة أمريكا" من خلال النوايا النيومحافظة في هذا الاتجاه و خاصة في علاقة بالاستراتيجيا العسكرية و السياسية الأمريكية في العراق. علينا أن نتذكر هنا أن "المشروع الديمقراطي" الأمريكي في العراق كان قائما منذ البداية على أساس مقايضة مع أطراف شيعية أساسية داخل العراق تقوم على مبدأ ضمان مبادلة الطائفة الشيعية الموالاة للإحتلال مقابل تسليم جزء من المهام الداخلية و منح صفة "الجيش" و "الشرطة" لمليشيات شيعية. تم ذلك على وجه الخصوص (كما يكشف بول بريمر في مذكراته) مع أهم مرجعية شيعية أي آية الله السيستاني. و هكذا منذ بداية "المسار الانتخابي" كانت "الحكومة شيعية" و كانت الحملات الأمنية "أمريكية شيعية". و يبدو أن الحملة العسكرية الأخيرة في بغداد "عملية فأس الهندي الأحمر" تأتي في ذات الإطار حيث تشير بعض المعطيات المثيرة للإنتباه الى أنها تندرج في إطار فك عزلة أحد الأحياء الشيعية (خلف شارع حيفا) و من ثمة مزيد من تطويق الأحياء السنية في إطار إعادة تشكيل بغداد ديمغرافيا في اتجاه تدعيم الطائفة الشيعية على حساب السنية (أنظر مثلا مقال فاضل الربيعي في الجزيرة نت 4 شباط/فيفري 2007). و لا أعتقد أن ذلك يندرج في إطار تهويمات مبالغ فيها لأنها ببساطة تتطابق مع تقارير أخرى تشير الى مراهنة النيومحافظين على الشيعة في العراق (و هو لا يعني طبعا أن الشيعة العراقيين جملة و تفصيلا موالون حقا للاحتلال). و أهم هذه التقارير هو تقرير في النيويورك تايمز بتاريخ 17 كانون الثاني/ديسمبر 2006 و الذي يشير الى مصادر من داخل البيت الأبيض تتحدث عن رؤية لديك تشيني و مساعديه ترى أن الحرب الأهلية الطائفية في العراق أمر مفروغ منه و أن على الولايات المتحدة أن تدعم الطرف الأكثر وجودا من الناحية الديمغرافية في العراق (أي الشيعة) و الذي يمكن معه ضمان "النصر". و بمعنى آخر تصبح "الحرب الأهلية" الشيعية السنية الطريق لتركيز الوجود الأمريكي في العراق. و تبدو هذه الرؤية في تناسق مع رؤى أخرى نيومحافظة علنية لم تعد ترى جدوى في العمل على تفادي نشوب حرب أهلية في العراق بفعل أنها أصبحت "خيار العراق" رغم "المحاولات الأمريكية" لما تسميه بـ"توليد الديمقراطية" (كما هو الشأن مع مقال لكرواثمر في عدد 2 شباط/فيفري 2007 من نشرية الناشيونال ريفيو). إن زيادة عدد القوات تأتي في هذا الإطار لدعم خيار الحرب الأهلية و تحديدا لدعم طرف موالي على حساب آخر. و لكن الأهم من ذلك لا يستهدف تأكيد هذا التحالف الأمريكي الشيعي عراقيا الوضع في العراق فحسب بل أيضا النوايا النيومحافظة في إيران. حيث يبدو أن الإدارة الأمريكية قررت استخدام الطائفة التي تبدو الأكثر قربا من المشروع الايراني في العراق في اتجاه فصلها تحديداعن إيران بل و الأهم من ذلك تفعيلها في اتجاه خلق ضغط شيعي عن إيران يبرز للأخيرة هشاشة ورقتها الأقوى أي الورقة الطائفية بعد نهاية مرحلة ورقة "تصدير الثورة" زمن الحيوية الثورية. ملخص الصفقة الأمريكية يتمثل في تقديم العراق لشيعته مقابل قبولهم بفك الإرتباط مع إيران (كما هي الآن) و القبول بتواجد عسكري أمريكي دائم في العراق. و في الحقيقة لا يبدو أن هذه مجرد نوايا نيومحافظة بل توجد مؤشرات من على الطرف الشيعي و لو أنها ليست مكتملة بعد على القبول بالصفقة بما في ذلك فك الارتباط بإيران.

"شيعة أمريكا"

يجب الإقرار أنه ليس من السهل رصد التشققات في الوسط الشيعي عامة و خاصة في علاقة بمسألة كيفية التعامل مع الولايات المتحدة و مشروعها في المنطقة خاصة في ظل الاستقطاب الشيعي السني المتصاعد على مدى المنطقة. و هي تشققات في طور التشكل و غير مكتملة و لكنها تتشكل بسرعة فائقة. و يجب في هذا الإطار التأكيد على أن التعبيرات عن هذه التشققات حتى الآن تكمن في مستويات التحالفات الفقهية أكثر منها في مستوى التحالفات السياسية. غير أن هناك أيضا بعض المعطيات السياسية تشير الى نفس الاتجاه.

بداية من الضروري الإشارة الى الموقف السياسي الإيراني و الذي لا يبدو أنه متجانس لا على مستوى الخطاب و لا على مستوى إمكانات الفعل. حيث أن التلاسن بين "الاصلاحيين" (و على رأسهم خاتمي) و "الوسط" (و على رأسه رافسنجاني) و "المحافظين" (و على رأسهم أحمدينجاد) مستمر خاصة في علاقة بكيفية التعامل مع أهم الحلفاء الأمريكيين في المنطقة أي الطرف الإسرائيلي (وصل التلاسن مستويات قصوى مع وصف أحمدينجاد خاتمي بـ"الخيانة" في آذار/مارس 2006 بعد أن رد خاتمي على تشكيك أحمدينجاد بالمحرقة اليهودية). هذه صراعات حقيقية و ليست مجرد فرقعات إعلامية. و لكن يبدو تقييم الموقف الإيراني من الوجود الأمريكي في العراق أكثر تعقيدا. حيث أن أطرافا عراقية موالية لإيران تاريخيا مثل "المجلس الأعلي للثورة الإسلامية" و "حزب الدعوة الإسلامية" شاركت بنشاط في مشروع الاحتلال الأمريكي و ذلك منذ التحضير له و خلال مرحلة "مجلس الحكم" و قبل بداية الحديث عن أي "انتخابات". و يبدو أن كان هناك غموضا بين توجه يرى أن الاحتلال حاصل لامحالة و أنه من الضروري "البناء عليه" حتى يتم التخلص من نفوذ الأطراف العراقية "المعادية للثورة الإسلامية" (المقصود بها البعث العراقي و حلفائه) و أطراف إيرانية أخرى لا ترى مشكلا بالأساس في احتلال أمريكي للعراق متى كان ذلك لا يضر بـ"المصلحة القومية الإيرانية" و يتيح وجود حلفاء لإيران داخل العراق (الرئيس خاتمي الذي قام بجولة تليق برئيس دولة مباشر لمهامه أخيرا بما في ذلك في الولايات المتحدة أصدر تصريحات غير عدائية تجاه الوجود الأمريكي في العراق تركز على "الاستقرار" أكثر من أي شيئ آخر). و يبدو أن تصاعد المقاومة العراقية منذ بداية الاحتلال و كون ذلك تم في أوساط سنية في الغالب و بفعل العلاقة المحتملة لهذه المقاومة أو بعض أوساطها مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين فإن ذلك دفع الى نوع من الاجماع في الأوساط الإيرانية حول ضرورة الانخراط في المشروع الأمريكي في العراق في اتجاه تقوية النفوذ الإيراني.

غير أن بعض المؤشرات الأخيرة يمكن أن تشير الى مأزق في المناورة الإيرانية. حيث أصبحت "الحكومة الشيعية" الطعم الذي يمسك به الأمريكيون شهية بعض الأطراف الشيعية المحلية. و قد ركز أهم الحلفاء المفترضين لإيران في العراق زعيم "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" عبد العزيز الحكيم في زيارة أخيرة لطهران على "أهمية الحوار مع الولايات المتحدة" و هو ما يبدو أنه رغبة في النأي بنفسه عن التجاذب المتصاعد أخيرا بين الطرفين. و في مستوى آخر أقل رسمية يبدو أن زعماء "المجلس الأعلى" يتبنون خطابا أكثر جرأة يجاهر بفصل بين شيعة العراق و "الجمهورية الإسلامية" حيث صرح "إمام الحسينية الفاطمية" في النجف صدر الدين القبانجي (و هو أيضا عضو في قيادة "المجلس الأعلى") في خطبة الجمعة 9 شباط/فيفري 2007 أن إيران "تتدخل (في العراق) بشكل لسنا معه و الشعب غير راض عن ذلك". يأتي ذلك تحديدا في إطار الحملة الأمريكية على "التدخل الإيراني في العراق". من الضروري الإشارة الى أن "المجلس الأعلى" أكثر الأطراف المفترض أنهم مرتبطين استخباريا و سياسيا بالإيرانيين مقارنة مثلا مع "حزب الدعوة" و الذي معروف عن قياداته تفادي اللجوء لإيران (الجعفري يعيش الى الآن بين بغداد و منفاه القديم في لندن) على أساس صراعات فقهية حول مسألة "التحزب في الإسلام" بين الفقهاء الشيعة خاصة في إطار الرؤية الرسمية لفقهاء الثورة التي تحارب مسألة التحزب هذه. و آتي هنا للقسم الأهم في علاقة بالصراعات داخل الصف الشيعي و هو القسم الفقهي ذي الاستتباعات السياسية.

فخلف الإجماع الفقهي-السياسي الظاهر و المرعي إيرانيا في مدينة قم توجد تجاذبات قوية قديمة داخل الأوساط الفقهية الشيعية سيكون لها تأثير مهم في علاقة بالمشروع الأمريكي في العراق و العلاقات الأمريكية الإيرانية في هذا الإطار. و من أهم محاور هذا الصراع و أكثره وضوحا من حيث تعبيراته السياسية الصراع بين الشيخ آية الله حسين فضل الله (الزعيم الروحي لحزب الله اللبناني) و مجموعة من كبار المراجع الشيعة في قم و النجف. حيث قادت مجموعة من هؤلاء (من بينهم الشيوخ و آيات الله جواد التبريزي و عبد الواحد الخراساني و جعفر مرتضى العاملي) منذ سنة 1993 حملة فقهية على الشيخ فضل الله انتهت بوصفه بـ"الضلال" في فتوى جماعية و تأسيس موقع الكتروني خاص لمواصلة هذه الحملة (موقع "ضلال.نت"). و في الحقيقة كانت أهم محاور الجدال خاصة بطبيعة مسؤولية السنة عن "مظلومية الشيعة" حيث تتميز أطروحات الشيخ فضل الله (المتأثرة بالظرفية اللبنانية بالتأكيد) بالتقليل من أهمية بعض الأحداث التاريخية و بنزعة معتدلة تركز على الارتباط الشيعي السني فيما هو "ثابت" و الخلاف فيما هو "متحول" و هو ما تم تصويره من قبل خصومه بأنه موقف يقدم للسنة تنازلات أساسية تضر بوحدة مبادئ الموقف الشيعي ("إنكار ضرورات المذهب") و هو ما كان المبرر الرئيسي لوصفه بـ"الضلال". و قد كتب أحد المدافعين عن الشيخ فضل الله باسم مستعار "باباك خورمدين" (و هو على ما يبدو مصري متشيع) أحد أهم المؤلفات (بقي الكترونيا و ليس مطبوعا على حد علمي) في علاقة بهذا الصراع و خاصة في علاقة بأبعاده السياسية بعنوان "صعود السلفية الشيعية: الاحتواء الديني لإيران" و الذي بالرغم أنه يدافع عن إيران الرسمية بشكل تبريري و غير دقيق ينزهها بشكل كامل فإنه مهم من حيث أنه نظرة من داخل الصف الشيعي. و يشرح "باباك" في كتابه أن غالبية الذين قادوا الحملة على الشيخ فضل الله كانوا أساسا من فقهاء قم غير الداعمين للنظام الإيراني و تحديدا لمسألة "ولاية الفقيه". و في الحقيقة توجد مؤشرات على تمايز هؤلاء الشيوخ تحديدا عن الخط الرسمي الإيراني (مثلا مقابل إفتاء النظام ضد التطبير في المناسبات الشيعية لأن ذلك "يشوه صورة الشيعة و الجمهورية الإسلامية" أصر التبريزي المتوفي الآن و يصر الخراساني على ممارسة هذه العادة و هو ما أدى لمصادمات مع القوى الأمنية الإيرانية مثلا في 27 آذار/مارس 2002 أدت الى اعتقال نجل الخراساني. و من المعروف إن الرجوع القوي لظاهرة التطبير في العراق تأتي في إطار دعم هؤلاء الشيوخ). كما يشير "باباك" أن من بين أهم قادة الحملة على الشيخ فضل الله شيعة خليجيون مشبوهين و تحديدا من الكويت مثل عباس بن نخي مؤسس "حزب الله" الكويتي و صاحب مجلة "المنبر" الكويتية المعروفة بمواقفها الطائفية و الذي استقر في فترة ما في لندن. المثير أن جميع هؤلاء يتميزون بمواقف متشددة في علاقة بالعلاقات السنية الشيعية و تصبح هذه المعضلة على غاية الأهمية عند تتبع طبيعة مواقف بعض الأطراف الشيعية العراقية تجاه الشيخ فضل الله بفعل ظروف الصراع الطائفي الدائرة هناك.

و قد كان من بين الذين أقروا بـ"ضلال" الشيخ فضل الله من العراق رموز أساسية من "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" حيث أصدر مؤسس المجلس آية الله باقر الحكيم فتوى تؤيد "ضلال" فضل الله. و الأهم من ذلك كان أحد أهم رموزالخطاب الطائفي الشيعي في العراق و عضو "المجلس الأعلى" و إمام مسجد براثا جلال الدين الصغير نشطا في الصراع ضد فضل الله منذ كان منفيا في دمشق حيث كتب هناك (سنة 1997) مؤلفا صغيرا بعنوان "الامامة ذلك الثابت الاسلامي المقدس" و ذلك "للرد على جملة من الأفكار و الطروحات التي تبناها التيار التحريفي" و يعني ذلك بشكل محدد الشيخ فضل الله و خاصة أطروحاته في العلاقات السنية الشيعية. من المهم التأكيد هنا أن جلال الدين الصغير من أبرز المحرضين المعلنين و دون مواربة على الاقتتال الطائفي في العراق و على دعم أي جهود عسكرية أمريكية في هذا الإطار كما هو واضح من خلال موقعه الالتروني "وكالة أنباء براثا". و هكذا لا ينبع التحريض الطائفي الشيعي ضرورة من قبل أوساط رسمية إيرانية (أو على الأقل ليس من الضرورة أن يوجد إجماع رسمي إيراني حول هذه النقطة) و لو أن ذلك لا يعني أن إيران الرسمية لا تمارس منذ فترة ليست بالقصيرة سياسة تستبدل "تصدير الثورة الاسلامية" بحملة "تبشير شيعية" تعكس بعض التعصب الطائفي خاصة في مجالات غير شيعية. إن هذه المعطيات و خاصة "شيعة أمريكا" في العراق المنخرطين تماما في تشكيل معسكر "أمريكي-شيعي" لاقتسام السلطة تشير الى ضرورة الحذر من الأطروحات الشائعة حول أن إيران تمسك ضرورة بالمفاتيح الشيعية عراقيا. و هذا الانفلات الشيعي عن البوتقة الايرانية هو الذي يمكن أن يفسر الرهان النيومحافظ على "الكفة الديمغرافية الشيعية" لتقرير مصير الحرب في العراق و من ثمة موازين القوى في المنطقة.

أما إذا كان ذلك ممكنا... فطبعا لا. ليس لأن الرهان على "شيعة أمريكا" لن يؤدي إلا الى استعداد أقلية شيعية فحسب للدخول في المشروع الأمريكي بل لأن الوجود الأمريكي في العراق لن يتسطيع مهما حاول الاختفاء خلف ستار حرب أهلية خاصة إذا تورط فيها. هذا عدى عن المخاطر الكبرى لتحالف "أمريكي شيعي" معلن على حلفاء الادارة النيومحافظة الآخرين من "سنة أمريكا". مثلما حدث في كل المغامرات العسكرية النيومحافظة في العراق و لبنان و فلسطين (عبر الحليف الاسرائيلي) فإن أي ضربة عسكرية نيومحافظة تجلب مخاطر أكبر مما سبق و من ثمة مآزق جديدة.

من جهة أخرى لا يجب تصور موجبات و ظروف الصراع السني الشيعي الطائفي و انفلاته في اتجاهات عنيفة في إطار الرغبات الأمريكية فحسب. حيث لا يمكن لنا أن نغالط أنفسنا و لا ننتبه الى أن الصراع بين الطرفين كان دائما موجودا و أخذ في كثير من الأحيان طابعا عنيفا. كما أن وجود التيار القاعدي "السلفي الجهادي" بتوجهاته الطائفية المعلنة (المنبعثة من تقاليد المشهد الفقهي البدوي السعودي) و استعادته للخطاب القروسطي المناهض لـلـ"الرافضة" ساهم و يساهم بشكل كبير في تشكيل توتر طائفي هائل في المنطقة ربما لايزال يحول دون استفحاله وعي قوى كثيرة باستفادة الاحتلال الامريكي منه. كما تتحمل أطراف "سلفية شيعية" كثيرة بما في ذلك بعض أوساط إيران الرسمية التي أضحت تصدر "المذهب الشيعي" عوض "الثورة الاسلامية" مسؤولية في تأجيج التحريض الطائفي القاعدي.

Appeared first in:
http://www.middle-east-online.com/?id=45346

Appeared then in two parts in Alquds:
http://www.alquds.co.uk:8080/archives/pdf/2007/02Feb/19FebMon/qds18.pdf
http://www.alquds.co.uk:8080/archives/pdf/2007/02Feb/20FebTue/qds18.pdf
Link