Sunday, February 01, 2004

ثوابت العلاقات التونسية الامريكية وافاقها في ظل رؤى المحافظين الجدد للمنطقة العربية


ثوابت العلاقات التونسية الامريكية وافاقها في ظل رؤى المحافظين الجدد للمنطقة العربية

أقلام أون لاين العدد العـــاشرالسنة الثالثة/ فبراير 2004
الأستاذ الطاهر الأسود (*)
ربما يعتقد بعض المحللين والباحثين الصدئين في تونس ان مسائل "الاستراتيجيا الاستباقية" وهيمنة المحافظين الجدد على السلطة في الولايات المتحدة وحتى احتلال العراق مسائل بعيدة ولا تمس تونس "المنيعة" والتي تقبع في برجها العاجي كالعادة سائرة في طريقها الذي لا يتأثر بالامواج العاتية للتغيرات الهائلة التي تصيب وأصابت العالم. وطبعا يعتاد بعض المحللين من الصنف الروبوتي الشائع في بلد يحوز المراتب الاولى في التخلف الاعلامي على الترويج لافكار بهلوانية من نوع ان التحولات العالمية "الايجابية" فقط تمس تونس في حين لا يطالها اي من التأثيرات "السلبية"، والتي لا تتعلق بالازمات المالية الدولية فحسب بل تشمل ايضا اوبئة من نوع "حرية الصحافة" و"مكافحة الفساد" و"النضال المعادي للعولمة والصهيونية وعودة الاحتلال". ففي تونس يُمنع التداول في هذه المسائل ووحدها مشيخة الحكم في قرطاج قادرة على التفكير والتدبير والحل والعقد. مقابل ذلك هناك حاجة ملحة ومتزايدة في تونس للتصدي بشكل أكبر لمواضيع الوضع العربي والدولي وموقع تونس في إطارها العربي الاسلامي والمغاربي. كما ان هناك حاجة ملحة للتخلص من العادات القديمة لبعض الاطراف المعارضة والتي تختزل تحليلها للسياسة الخارجية للنظام التونسي في مقولات "العمالة" و"الخيانة"
وتتواتر المؤشرات سواء العامة والتي تتعلق بالاستراتيجيا الامريكية في المنطقة العربية ككل أو تلك الخاصة بالرؤية الامريكية الراهنة لشمال افريقيا وبتونس بشكل أخص، لتشير الى بعض العناصر بل والمشاريع الجديدة التي يمكن ان تحدد السياسة الامريكية المستقبلية تجاه تونس. غير اننا لن ننحو منحى إخباريا في هذا المقال، فرغم ان الإخبار أمر لا مفر منه بالخصوص عند معالجة التاريخ الراهن فإننا نحتاج الى نظرة اشمل تحاول تحديد الثوابت وتحلل اسباب وآفاق الوضع الحالي. ولهذا سنقوم في هذا المقال بتحليل الثوابت العامة للسياسة الخارجية التونسية، والتي نعتقد انها تعتمد رؤية استراتيجية واضحة - وبالمناسبة ليس وجود استراتيجيا واضحة امر ايجابي في ذاته - أرساها الرئيس الراحل بورقيبة، وهو ما سيأخذنا في احيان كثيرة الى فترات تسبق حكم الرئيس الحالي وحتى الى مراحل الخمسينات والستينات. كما سنحلل الرؤية الامريكية الراهنة لتونس على ضوء المستجدات الطارئة عليها وبهدي الثوابت التي لاطالما حددت سياساتها على اساسها، وهو ما سنقدمه في الاطار الطبيعي لتونس والذي تحرص الولايات المتحدة على معاملتنا ضمنه اي الاطار العربي والاسلامي عامة، ثم الاطار الشمال افريقي خاصة. وسيكون الهدف الاساسي من هذه الورقة التناول الموضوعي وإثارة نقاش مثمر حول العلاقة بين الاستراتيجيا العسكرية العدوانية للولايات المتحدة ودعواتها الراهنة الى "التحويل الديمقراطي" للمنطقة العربية، والتي يجب ان نتذكر - وهو الامر الذي تحرص على نسيانه بعض القوى السياسية في تونس - انها تشمل تونس. ثم سنتعرض بعجالة وفي شكل خاتمة الى المواضيع التي نخمن انها ستدور حولها زيارة الرئيس التونسي الى واشنطن خلال شهر فيفري، بالاضافة الى بعض التأملات حول العلاقة الوطيدة بين المسألتين الديمقراطية والوطنية. ونوضح هنا اننا لن نتعرض الى السياسة الخارجية التونسية بشكل عام، بل الى العلاقات التونسية الامريكية بشكل خاص. وأخيرا نشير الى ان الوثائق التي اعتمدنا عليها، وبعضها يتم نشره للمرة الاولى، حددت بشكل كبير المحاور التي ينتظم حولها هذا المقال.
1.الاستراتيجيا الخارجية التونسية: الحرص على لعب دور في الاستراتيجيا الامريكية
لم يعد لا من الغريب ولا أمرا جديدا ان الحكومة التونسية تلعب دورا اقليميا يبدو للكثيرين أكبر بعض الشيء من حجم البلاد السكاني والمادي. فقد قامت بدور خاص في المبادرات والسياسات الامريكية ليس في المغرب العربي فحسب بل على المستوى العربي بشكل عام. ففي تونس تمت أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات جولات أساسية من الاتصالات السرية ثم المفاوضات الرسمية الاولى من نوعها لمنظمة التحرير الفلسطينية مع الادارة الامريكية (من خلال سفيرها في تونس جورج بيليترو الابن ثم بمشاركة دنيس روس). وعلى سبيل المثال فإن المعطى الاساسي الذي ركزت عليه الصحف الامريكية اثناء زيارة الرئيس الحالي الى الولايات المتحدة في شهر ماي 1990 كانت الاقاويل حول رسالة شفوية حملها من زعيم منظمة التحرير الى الرئيس بوش.[1 كما لا ينفك النظام التونسي عن التركيز وبشكل علني على الدور الاساسي الذي لعبه في التوصل الى اتفاقيات اوسلو وفي الاتصالات السرية التي سبقته. وفي تونس أو عن طريقها تمت اتصالات هامة ومباشرة بين الحكومتين الليبية والامريكية في اتجاه تحريك ملف لوكربي وإنهاء القطيعة الليبية الامريكية، وليس تسرب أخبار عن لقاء في تونس خلال شهر ماي الماضي بين العقيد القذافي وجورج تينيت، مدير وكالة المخابرات المركزية الامريكية، إلا مؤشرا على ذلك (صحيفة الشرق الأوسط 24 ماي 2003). وبعد التطور الكبير للمحادثات الليبية الامريكية مؤخرا يبدو ان الجانب التونسي قد اصر على الجانب الامريكي ان يعلن عن "الدور الايجابي الذي لعبته تونس"، كما صرح بذلك كولن باول خلال زيارة بن يحيى الى الولايات المتحدة بداية شهر جانفي 2004. أما في الحالة العراقية فقد دار بعض الحديث حول احتمال ان تكون زيارة وزير الخارجية التونسي الحبيب بن يحيى الى العراق ولقائه الرئيس العراقي قبيل بدء الحرب بايام تبليغا لرسالة من اطراف دولية الى صدام حسين بالتنحي عن السلطة من جملة عدد من الرسائل التي وجهت اليه بشكل غير مباشر من الطرف الامريكي في تلك الفترة شديدة التوتر. والاهم من ذلك ان هناك معطيات كافية مؤخرا تشير الى ان الطرف التونسي قد انتقل عمليا الى المساهمة في محاربة المقاومة العراقية تحت غطاء محاربة "الارهاب" حيث اشارت صحيفتا التايمز والاستراليان مؤخرا (23 جانفي 2004) ان عناصر سرية من الامن التونسي بالاضافة الى الاجهزة الامنية الجزائرية والمغربية هي بصدد المشاركة في الشبكة العملياتية للمخابرات الامريكية والبريطانية في العراق، حيث يلعب هؤلاء دورا اساسيا في اوروبا، وعلى الحدود العراقية السورية، وحتى في داخل العراق (الفلوجة والرمادي)، في الكشف عن شبكات المتطوعين العرب التي تدعم المقاومة العراقية.[2
وليست هذه المؤشرات العامة لاسس السياسة الخارجية التونسية اثر 7 نوفمبر 1987 الا استمرارا لاستراتيجيا وضع اسسها وقادها الرئيس السابق الحبيب بورقيبة منذ قيام الدولة الوطنية بل وقبلها بسنوات. وبالرغم انه لا توجد وثائق كثيرة من تحرير النظام تنظٌر لهذه الاستراتيجيا فإن ذلك لا يعني غيابها. وسنحاول هنا توضيح الملامح العامة للاستراتيجيا التونسية من خلال وثائق ودراسات نادرة الاستعمال
- الاهتمام الكبير بتوثيق العلاقات مع اسرائيل كحجر زاوية لعلاقات تونس الدولية وخاصة مع الولايات المتحدة
في مقال نادر للحبيب بن يحيى - وزير خارجية النظام في أغلب الفترة الممتدة من 7 نوفمبر 1987 الى الان - عندما كان سفير تونس في الولايات المتحدة سنة 1985، وضح المسؤول التونسي اهم اسس السياسة الخارجية التونسية.[3 وفي اطار حديثه عن الدور الاقليمي للحكومات المغاربية بشكل عام حرص بن يحيى على التركيز على ان رؤية بورقيبة، ومن ثمة تونس، لـ"حل سلمي" للصراع العربي الاسرائيلي تلعب دورا رئيسيا في تعميق العلاقات التونسية (والمغاربية) الامريكية.
وربما يعتقد الكثيرون خطأ ان الطريق التونسي الى تل ابيب كان اساسا من خلال واشنطن. وبالرغم من صحة ذلك جزئيا، فإن الطريق المعاكس - من تونس الى واشنطن عبر تل ابيب - كان اكثر اهمية. وفي الواقع توضح احدى الدراسات الهامة المتعلقة بتطور علاقات دول المغرب العربي باسرائيل منذ اواسط القرن، والتي اعتمدت على عديد الوثائق الاسرائيلية التي رفعت عنها السرية مؤخرا، ان حرص بورقيبة الشديد - وذلك حتى قبل وصوله الى السلطة- على تمتين علاقته بالولايات المتحدة كان مرتبطا بقوة بمسار تقوية علاقاته بأطراف اسرائيلية مختلفة بما في ذلك الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة.[4 وكانت هذه الاتصالات المستمرة قد بدأت بشكل مبكر وذلك منذ 25 جوان 1952 من خلال لقاء الباهي الادغم في نيويورك بممثل اسرائيل في الامم المتحدة انذاك والتي قام خلالها المبعوث التونسي بـ"طلب الدعم الاسرائيلي" لمطلب الاستقلال التونسي، كما اكد الباهي الادغم في نفس اللقاء ان حزب الدستور لم يكن وراء الهجمات "المعادية لليهود" في تونس انذاك. وبشكل متزامن دعا بورقيبة في حوار مع صحيفة لوموند الفرنسية في جوان 1952 الى ضرورة قيام الاطراف العربية بتسوية سياسية مع اسرائيل. واكد نفس الرؤية حين وجوده بالمنفي ضمن المجال الفرنسي سنة 1954 لـ"ألك استرمان" مدير المكتب السياسي للمؤتمر اليهودي العالمي بلندن. ومن المثير ان الطرف الاسرائيلي - اكثر ربما من الطرف التونسي- كان مترددا في إعلان هذه العلاقات لتجنب إغضاب سلطات الاحتلال الفرنسي
غير انه وبعد سنوات قليلة ستأخذ هذه الاتصالات التونسية الاسرائيلية منحى اكثر جدية وذلك في اطار عمل الجانب التونسي على تطوير علاقاته بالولايات المتحدة. ويأتي في هذا الاطار لقاء مهم جدا بالنسبة لصياغة رؤية بوقيبة للسياسة الخارجية التي يجب ان تلعبها تونس في المستقبل وهي على ابواب إنهاء الاحتلال العسكري الفرنسي. ففي شهر فيفري 1956 وخلال المفاوضات الدائرة في فرنسا حول الاستقلال التقى بورقيبة السفير الاسرائيلي بباريس ياكوف تسور، وبعد سماعه ملاحظات عديدة لبورقيبة تتلخص في "كرهه" لعبد الناصر وسياسته في المنطقة، نصح السفير الاسرائيلي بورقيبة النصيحة التالية: ان عليه "ضمان دعم اليهود الامريكيين للحصول على دعم اقتصادي امريكي".
وبالاضافة الى التعاون الاقتصادي المباشر بين الحكومتين والذي انطلق بشكل فعلي مع لقاء السفير الاسرائيلي تسور في 3 اكتوبر 1956 بوزير المالية التونسي، فإن اهم ثمار هذه العلاقة خاصة بالنسبة لتطوير العلاقات التونسية الامريكية كان مع اواسط الستينات. ففي ماي 1965، أي بعد اقل من شهرين من خطاب اريحا الشهير وجولة بورقيبة المثيرة في المشرق العربي في مارس 1965، سافر بورقيبة الابن والذي كان وزير الخارجية التونسي وحامل اسرار ابيه انذاك الى واشنطن في زيارة هدفها طلب الدعم المالي الامريكي. واستجابة لطلبه فقد طلبت وزارة الخارجية الامريكية من اسرائيل التوسط للجانب التونسي مع حكومتي فرنسا والمانيا الغربية للحصول على دعم مالي يقدر بـ20 مليون دولار، كما طلب الامريكيون في نفس الاطار من اسرائيل شراء الخمور التونسية. وتلاحظ الوثائق الاسرائيلية في هذا الاطار ان موافقتها على الاستجابة للمطالب الامريكية كان في اطار املها ان تساهم الحكومة التونسية في تشجيع حكومات عربية "معتدلة" اخرى من اجل "إفشال أو تخريب الجهود المصرية والسورية للوحدة العربية".[5
وتزايدت اثر ذلك العلاقات التونسية الاسرائيلية توثقا حسب هذه الوثائق لتشمل احيانا الجوانب الامنية، حتى انها تشير على سبيل المثال الى تنسيق جهاز المخابرات الاسرائيلي الموساد مع الامن التونسي في ترتيبات حماية بورقيبة خلال زيارته الى ليبيريا في نوفمبر 1965. كما قامت وزارة الخارجية الاسرائيلية - من خلال طرف ثالث مقرب منها (رئيس "جامعة البرازيل") وذلك تجنبا "لإحراج بورقيبة"- باقتراح اسمه كأحد المرشحين لجائزة نوبل للسلام لسنة 1966. وخلال نفس الفترة أقام الطرفان خلية اتصال دائمة من خلال سفيريهما في باريس: السفير التونسي محمد المصمودي والسفير الاسرائيلي والتر ايتان وذلك بحضور الموساد الاسرائيلي. كما التقى المصمودي مرة على الاقل بوزير الخارجية الاسرائيلي انذاك ابا ايبان وذلك بمنزل البارون دي روتشيلد. بالاضافة الى وجود قناة اتصال اخرى من خلال استرمن مدير مكتب لندن للمؤتمر اليهودي العالمي والذي كانت له علاقة قديمة ببورقيبة كما اشرنا الى ذلك سابقا.
ومن اهم النقاط التي يمكن التأكيد عليها في علاقة بالنقاشات التي تمت عبر قنوات الاتصال هذه هي الطلب التونسي من خلال محمد المصمودي (مثلا في لقاء يوم 4 اكتوبر 1966 بين الاخير واسترمن) لدعم اليهود في الغرب لتونس ماليا واقتصاديا عموما، وذلك لتجنب علاقة مباشرة ومكشوفة بين الطرفين وهو الامر الممكن في حالة الاعتماد على يهود يحملون جنسيات اخرى غير الاسرائيلية. وقد أثمرت هذه الاتصالات الاتفاق على ما يلي:
أولا، الاتفاق على إقامة علاقات على اعلى المستويات بين الجانبين التونسي والاسرائيلي مع الحذر والامتناع في الظرف الراهن عن ترفيع هذه الاتصالات الى مستوى العلاقات الديبلوماسية. في نفس الوقت دعا الجانب الاسرائيلي الجانب التونسي إلى مواصلة الدعوة لـ"حل سلمي" مع اسرائيل الى ان تنضم اصوات اخرى اليه، وحتى "يغرق العقل العربي" في مثل هذه الاطروحات
ثانيا، تكريسا لمطلب دعم يهود غربيين لتونس فقد التقى مسؤول مالي تونسي رفيع المستوى (محمد صفر) باسرائيليين لمناقشة امكانيات الاستثمار الاسرائيلي في تونس تحت اغطية مختلفة للتمويه. وقد تم الاتفاق حسب هذه الوثائق على مجموعة من المشاريع وهي كالتالي: بناء نزل في المهدية برأسمال مشترك بين محمد صفر والمجموعة المالية للبارون ادموند دي روتشيلد، وتطوير مصنع للزجاج في تونس العاصمة، وتوفير اثاث للنزل من اسرائيل عبر شركة في بريطانيا
ثالثا، تم الاتفاق على عمل اسرائيل على تحسين العلاقات التونسية الفرنسية والتي تدهورت منذ سنة 1961، بالاضافة الى التدخل لدى الحكومتين الامريكية والالمانية للحصول على مساعدات مالية وعسكرية
رابعا، "تفاعلت اسرائيل" مع رغبة الجانب التونسي في مساعدته من اجل توسيع استثماراته السياحية، وذلك بدعم خطوات تم بدؤها منذ الاشهر الاخيرة لوجود غولدا مائير في منصبها بوزارة الخارجية الاسرائيلية، حيث طلبت من السفير الاسرائيلي بواشنطن حث اليهود الامريكيين على اضافة تونس الى قائمة رحلاتهم السياحية، وحسب هذه الوثيقة فقد وصلت وفود منهم الى تونس منذ نهاية سنة 1965
خامسا وأخيرا، العمل على تكثيف التعاون في المجال الزراعي.
وتشير الوثائق الى انه تم الاتفاق على الحفاظ على السرية المطلقة بالنسبة لهذه النقاط.
إثر ذلك لا توجد وثائق مهمة عن طبيعة تطور العلاقة. غير أنه من المعروف ان تونس كانت من اول الدول العربية إثر اتفاقيات اوسلو تفتح مكتبا للاتصال في اسرائيل، رغم تقطع هذه العلاقة بسبب وصول حكومتي نتنياهو وشارون الى السلطة، وعودة توتر الصراع في المنطقة. غير ان اللقاءات الرسمية والزيارات المتبادلة (اخرها زيارة الوفد الصناعي الاسرائيلي الى مؤتمر دولي في تونس اواسط ديسمبر 2003) لم تنقطع. كما ان هناك تقارير متزايدة حول امكانية اعادة تنشيط التطبيع السياسي مع اسرائيل وتزايد الاتصالات مع وزير الخارجية الاسرائيلي شالوم كوهين ذي "الاصل التونسي" خاصة في الاسابيع الاخيرة من شهر جانفي 2004، ولا يبدو ذلك منفصلا عن الزيارة المرتقبة للرئيس التونسي الحالي الى الولايات المتحدة.[6
بقي ان نشير الى ان النشاط المخابراتي الاسرائيلي في تونس قد وصل الى مستوى قياسي منذ وصول منظمة التحرير الفلسطينية الى تونس سنة 1982، ولا يتعلق ذلك بوجود بعض العملاء من الاوساط الفلسطينية للموساد مثل (نائب السفير الفلسطيني في تونس عدنان ياسين وابنه هاني) فحسب بل شمل ايضا - حسب تصريحات مصادر مخابراتية اسرائيلية نقلتها عنها صحف امريكية - "مسؤولين تونسيين رفيعي المستوى" بالاضافة الى عناصر من الامن التونسي ساهمت مثلا بعلم ومن دون علم (معتقدة انها تعمل مع مخابرات اوروبية) في التحضير الاسرائيلي لعملية اغتيال ابو جهاد.[7] لكن ذلك وحده إن كان صحيحا لا يعني بالضرورة وجود تنسيق مخابراتي بين الجانبين خاصة في علاقة بهذه الاحداث
وعموما فإن تواصل المراهنة على علاقات خاصة ولو سرا مع اسرائيل مثلت وستمثل نقطة ثابتة بالنسبة للنظام الحالي والذي لا يقوم الا بمواصلة السياسة التي ارساها الرئيس الراحل. وكما اشار الى ذلك الحبيب بن يحيى بالاضافة الى دراسات أخيرة فإن الرؤية التونسية لتسوية "سلمية" مع اسرائيل كانت احد مفاتيح العلاقة القوية للحكومة التونسية بالحكومات الغربية بما في ذلك الحكومة الامريكية.[8] ولعلنا نتذكر ان احدى الخطوات التي قام بها الرئيس التونسي الحالي أثناء زيارته الى الولايات المتحدة سنة 1990 هي مخاطبته بشكل خاص الجالية اليهودية التونسية المقيمة في امريكا ودعوته لها لزيارة تونس، وهو ما يذكرنا بالنصيحة التي وجهها السفير الاسرائيلي في باريس الى بورقيبة سنة 1956 حول اهمية الاعتماد على اليهود الامريكيين للتقرب من الولايات المتحدة
- رؤية بورقيبة لنفسه كشخصية دولية تدعم الولايات المتحدة: رسالة بورقيبة الى الزعيم الفيتنامي هو شي منه نموذجا
رغم مرور اكثر من ست عشرة سنة على نهاية حكم بورقيبة فإن طيفه لايزال يحوم على السياسة الخارجية التونسية، كما ان الثوابت التي ارساها في علاقة بقراءة الساحة الدولية تتجاوز شخصه ولا تزال مطابقة لقراءة النظام الراهن. ولقد كان دائما من الواضح ان من العناصر الاساسية المكونة للسياسات التونسية هي الشخصية الخاصة والمعقدة للرئيس الراحل. غير ان ما يجب توضيحه هنا ان الخصائص الشخصية لهذا الاخير لم تكن منفصلة بل كانت منسجمة مع إجماع لدى جزء من الطبقة السياسية في تونس - ولا يشمل ذلك التيار المهيمن في حزب الدستور فحسب بل ايضا بعض الاطراف المعارضة خاصة منها تلك المقربة من بعض الاوساط الغربية والفرنسية تحديدا - على إستراتيجيا عامة للسياسة الخارجية التونسية والتي تواصلت حتى في غياب شخصه. وبمعنى آخر فشخصية بورقيبة كانت تخدم تلك الاستراتيجيا اكثر من العكس.
وليس خفيا ان من الملامح المشهورة عن شخصية الرئيس الراحل هي اعتقاده بأنه كان شخصية عظيمة تستحق بلدا اكبر من تونس ودورا اقليميا بل دوليا اكبر بكثير مما كان يقوم به. وفي الواقع فإن احد وثائق أرشيف وزارة الخارجية الامريكية التي رُفعت عنها السرية مؤخرا تعطينا فرصة نادرة للتوغل في رؤية بورقيبة لدوره الشخصي على المستوى الدولي، كما تؤكد النقطة الرئيسية في الاستراتيجيا الخارجية التونسية والتي اشرنا اليها اعلاه: الحرص التونسي الشديد على إيجاد دور في الاستراتيجيا الامريكية
الوثيقة "سرية" بتاريخ 24 افريل 1968 مرسلة من السفارة الامريكية في تونس الى وزارة الخارجية الامريكية ورفعت عنها السرية في 6 فيفري 1992 تتمثل في ترجمة سريعة (وكثيرة الاخطاء اللغوية) الى اللغة الانجليزية لرسالة مكتوبة باللغة الفرنسية موجهة من بورقيبة الى الزعيم الفيتنامي هو شي منه بتاريخ 20 مارس 1968. وتشير ملاحظات السفير الامريكي المكتوبة على نص الوثيقة الى أنه تسلمها من قبل وزير الخارجية التونسي، وحسب التواريخ المذكورة فإن الجانب التونسي لم يسلم الامريكيين الرسالة الا بعد حوالي الشهر من إرسالها، لأسباب غير واضحة.[9
وتبدأ الرسالة بأسلوب ليس غريبا على بورقيبة، إذ يقول، موجها حديثه الى هوشي منه:
"أنتم وأنا من الشيوخ الحكماء الذين ينتمون الى تلك المجموعة الصغيرة من الرجال الذين وهبوا حياتهم لتحرير وبناء بلدانهم (...) أنتم وأنا، سيدي الرئيس، اتجهنا لتحقيق هذا الهدف اخذين في الاعتبار خصوصيات بلداننا المختلفة (...)وذلك، بدون شك، هو السبب الذي يُفسر لماذا (...) نظهر كأننا نقف على الطرف النقيض من بعضنا البعض. وهذا انطباع خاطئ بطبيعة الحال لأن كلاّ منا قد جعل من الاساسي الحفاظ على استقلال بلاده بالاضافة الى الاحترام الذي يكنه كل منا للاخر، ولهذا السبب أتوجه اليكم مرة أخرى كمقاتل يخاطب مقاتلا."
وبعد الإشارة الى رسالة سابقة وجهها بورقيبة الى هو شي منه في سنة 1967 والى جواب من الاخير ارسله الى بورقيبة بتاريخ 23 فيفري 1967، يكرر بورقيبة طلبه من الزعيم الفيتنامي العمل على "إعتماد كل الاساليب الممكنة بما في ذلك التفاوض، تجنيبا للشعب الفيتنامي ويلات الحرب". لتفسير هذا المطلب يقدم بورقيبة تحليله للحرب الفيتنامية كالتالي (نقدم هذه المقتطفات من الرسالة ليس لاهميتها في سياق هذا المقال فحسب بل لأنها ايضا هامة في ذاته لندرتها ولاهمية التحليل السياسي الوارد فيها خاصة بالنسبة للظروف الدولية الراهنة):
"لقد درست تاريخ شعبكم وأعرف قدرته الاستثنائية على التحمل وحبه للحرية. وبالاضافة الى ذلك اخذ في الاعتبار ما تفرضه الظروف الجغرافية لبلادكم عليكم من ضرورات. كما أعرف الولايات المتحدة، والرجال الذين يحكمون ذلك البلد، ونفسيتهم والظروف التي تحكمهم في تقرير سياساتهم الداخلية والخارجية (...) وأخذا بالاعتبار كل ذلك بالاضافة الى الوضع السياسي والعسكري في الفيتنام الجنوبية، والرأي العام الامريكي والعالمي، فإنني ارى انه من الضروري اكثر من أي وقت مضى البحث عن حل مشرف يخرج الفيتنام من هذا الصراع المدمر. ففي الميدان العسكري النصر الجزئي ممكن غير ان النصر الكلي مستحيل. طبعا انا على علم ان البعض يرى ان للعمليات العسكرية اثر نفسي كبير (...) وانه مع طول الحرب فإن المواطن الامريكي سيتعاظم قلقه وسيدفع حكومته للانسحاب. غير أنه يجب التخوف، وعلى الزعيم المسؤول قراءة حساب هذه الفرضية، من ان مثل هذه الحسابات يمكن ان تنتهي الى الفشل (...) وبالنسبة لي فإنني اضيف ان انتصارا على الولايات المتحدة في مثل هذه الظروف، على ما يسمى بـ"النمر من ورق" الامريكي، لن تكون لا في مصلحة التوازن الدولي ولا في مصلحة سلام واستقلال الفيتنام".
ويمضي الرئيس التونسي الراحل لينصح الزعيم الفيتنامي بأنه "من الضروري ان يبقي المرء باب التعاون مفتوحا مع كل القوى الكبرى." ثم يشير الى ما يبدو انه الرسالة الاساسية من وراء هذا الخطاب: "اني أخشى، ومعي في ذلك الكثير من رجالات الدول، انه إن لم تتنطلق المفاوضات من هنا الى الاسابيع القليلة القادمة فإن مساوئ اكبر ستحل بالفيتنام"
وحتى نضع هذه الرسالة في إطارها التاريخي فإننا نشير الى انها كتبت في ظرف من التصعيد العسكري لقوات الفيتكونغ التابعة لهو شي منه، ابتدأ بهجوم كاسح على مدن جنوب الفيتنام اواخر شهر جانفي (1968)، ثم بموجات اخرى اواخر شهر فيفري، ثم بهجوم كبير ابتدأ يومين فقط بعد كتابة رسالة بورقيبة (23 مارس). لكن في نفس الوقت فإن الحديث عن رغبة امريكية كبيرة لبداية محاثات مع حكومة هو شي منه كان منتشرا بشكل كبير خاصة في ظل رغبة الرئيس لندون جونسون في تقوية الحزب الديمقراطي على ابواب الانتخابات الرئاسية التي جرت اشهرا قليلة فيما بعد. وفعلا ففي يوم 10 ماي 1968 انطلقت المحادثات الامريكية الفيتنامية في باريس.
ومن المرجح إذا ان رسالة بورقيبة في مثل هذه الظرفية التاريخية كانت في إطار حملة امريكية لتجنيد كل الاصوات المقربة منها والتي يمكن ان تقنع هو شي منه باتخاذ قرار التفاوض، غير انه من غير المعروف كم كان الامريكيون متحمسين لمشاركة بورقيبة في ذلك كما انه ليس واضحا ما هو وزن رسالته في إقناع الفيتناميين في التفاوض مع الجانب الامريكي. بيد أنه وفي كل الحالات فإن بورقيبة كان بالتأكيد مستعدا للقيام بمثل هذه الخطوات التي تزيد حظوته لدى الادارة الامريكية، والتي تتفق مع مطامحه الشخصية في احقيته بلعب دور هام على المستوى الدولي. ومن جهة أخرى توضح الرسالة الاهمية الكبيرة التي يعلقها الرئيس التونسي السابق على "التعاون مع القوى الكبرى" وخاصة منها الولايات المتحدة، والشعور نفسه يمثل احد الثوابت الاساسية للسياسة الخارجية التونسية الى الان.
لقد كان ثمن مثل هذه المواقف تزايد المعونات والتدخلات الامريكية لحصول تونس على مساعدات وقروض من أطراف دولية مختلفة، كما أشرنا الى ذلك اعلاه. ولقد كان تواصل هذه المعونات مهما بالنسبة للطرف التونسي حتى أنها عندما توقفت سنة 1996، لان تونس "لم تعد تحتاج اليها" حسب تعبير الادارة الامريكية، تذمر من ذلك وزير الاستثمار والتعاون الدولي انذاك والوزير الاول حاليا، محمد الغنوشي.[10
2) ملامح الرؤية الامريكية الراهنة لتونس: "زنابق مائية" واشياء اخرى
يتبين الان ان جزءا أساسيا من مشروع "تطوير العلاقات المغاربية الامريكية" من المنظور الامريكي يتمثل في إقامة قواعد عسكرية في بلدان المنطقة، ويأتي ذلك في إطار مشروع "دمقرطة" المنطقة العربية، فكما سنوضح، ترتبط رؤية "الدمقرطة" هذه في ذهن الادارة الحالية بالتواجد العسكري الامريكي، وليس المثال العراقي الا النموذج الاكثر حدة والطليعي بشكل ما لما ترغب في القيام به. ومن جهة أخرى، وكما أشرنا في مقال سابق (الطاهر الاسود "بعد زيارة شيراك: السقوط الفرنسي و"الدمقرطة الامريكية" تونس نيوز 10 ديسمبر 2003) فإن الولايات المتحدة تضع استراتيجيتها في منطقة شمال افريقيا ضمن استراتيجيتها الاطلسية و"التعاون الاوروبي الامريكي"، وليس كما تروج بعض الاوساط الفرنسية المتوترة بان الهم الامريكي في شمال افريقيا هو اساسا "منافسة" النفوذ الفرنسي
- التقرير الخاص بالعمل على إقامة قواعد عسكرية امريكية في تونس والمغرب
قبل الانتقال الى المعطيات الاساسية الخاصة بنوايا نشر قوات امريكية في تونس والمغرب نود الاشارة الى بعض المعلومات الخاصة بمصدر هذه المعطيات "مؤسسة التراث" وهو مركز بحث امريكي غير حكومي، وذلك بهدف تحقيق هذه المعلومات ومن ثمة التأكيد على صحتها، ولكن ايضا لحصر المجال السياسي الذي تدور فيه مثل هذه الافكار، وهذا طبعا مؤشر مهم في حالة اردنا استقراء هذه الافكار كاستراتيجيا عليها الاجماع من قبل جل الاطراف السياسية المؤثرة وبالتالي مستديمة ام هي مؤقتة لانها مرتبطة بأوساط محددة يمكن ان تغادر اوساط القرار بمغادرة ادارة بوش الابن للبيت الابيض او بتراجع نفوذها في ادارتها اذا لم يغادر البيت الابيض
لقد أسس بول وايرش الهريتاج فاوندايشن سنة 1973 كمركز بحوث يقدم تحاليل على حسب الطلب وبمقابل مادي طبعا لجميع مناحي الاهتمامات السياسية الامريكية، ومن اهم زبائنه الحكومات الامريكية المتعاقبة وخاصة الجمهورية منها بسبب العلاقة الخاصة التي تربط وايرش بأوساط محافظة كثيرة في الولايات المتحدة، يُتهم البعض منها بالعنصرية. ويعد هذا الاخير حسب بعض المصادر - مثل صحيفة الوول ستريت جورنال - ومجموعة المفكرين الذين يعملون معه من "اقوى" الشخصيات السياسية تأثيرا في الولايات المتحدة بالرغم انهم من ذلك النوع الذي لا يظهر كثيرا في النشرات والبرامج الاخبارية والسياسية للاعلام الامريكي. ومن جهة اخرى فإن هريتاج فوايندايشن تحصل على دعم سخي من اشهر واقوى المؤسسات المالية والصناعية الامريكية الكثير منها مرتبط بالمنطقة العربية خاصة من خلال الصناعة النفطية مثل: (General Motors) و(Amoco) و(Rockfeller's) (Chase Manhattan Bank) و(Gulf Oil)..... الخ.[11]
ولا يبدو واضحا ما هي العلاقة المباشرة بين "فريق الاحلام" (The dream team) للمحافظين الجدد، الذين اختطفوا الاضواء في الاونة الاخيرة، ومركز الهريتاج فاوندايشن، غير ان البعض من فريق المحافظين الجدد من البنتاغون مثل دوغلاس فايث قاموا بمحاضرات في اطار هذه المؤسسة.[12 كما ان الكثير من الدراسات في موقعها الالكتروني تدعم بشكل او باخر التوجه العام لاستراتيجيا المحافظين الجدد في العراق وفي غيرها، وخاصة اطروحة "الحرب الاستباقية". وعموما يمكن ان نعتبر ان الهريتاج فواندايشن قد تحولت مثلها في ذلك مثل الكثير من المؤسسات والاطراف المقربة من الاوساط الجمهورية الى وجهة نظر المحافطين الجدد خاصة بعد صعود بوش الابن الى السلطة وأحداث 11 سبتمبر. وبالتالي فإن التقرير اسفله بالاضافة الى الاشارات المتعلقة بالخطط الامريكية في منطقة شمال افريقيا انما تعبر بالتأكيد عن الادارة الحالية، غير انها لا تعني كل الاطراف المؤثرة في الاوساط السياسية الامريكية بما في ذلك اوساط الحزب الديمقراطي. فإذا كانت هذه الافكار جادة بالنسبة للادارة الحالية وستعمل على تطبيقها في حالة استمرارها في الحكم فهي لن تكون بالضرورة في دائرة الاهتمام الامريكي الرسمي في حالة صعود ادارة امريكية مختلفة. ويعكس ذلك في الواقع مدى عمق الانقسام في الدوائر السياسية الامريكية حول مواضيع السياسة الخارجية بشكل يقر معظم الملاحظين انه لم يصل الى هذه الدرجة فيما قبل.
أما بالنسبة لتقرير الهريتاج فاوندايشن الذي اورد نوايا إقامة قواعد عسكرية امريكية في تونس والمغرب فقد تمت كتابته يوم 15 كتوبر 2003 ولم يتم نشره الا يوم 17 ديسمبر 2003. وترد المعلومة المتعلقة بإقامة القواعد العسكرية ضمن تحليل مكانة القارة الافريقية في الاستراتيجيا العسكرية الامريكية.[13] فحسب كاتبي الدراسة - وهما بالمناسبة نيل قاردينار (Nil Gardiner) وجيمس كارافانو (James Carafano) باحثان شابان في التاريخ المعاصر ويشير سجلهما الوظيفي إلى اقترابهما من اوساط ذات علاقة قوية بالطاقم الحالي للمحافظين الجدد، حيث عمل قاردينار في المكتب الخاص لمارغريت تاتشر في حين يعمل كارافانو مستشارا لدى البنتاغون ووزارة الامن الداخلي- فإن القيادة الامريكية للقوات الامريكية المتمركزة في اوروبا، وهي تنشط في إطار قيادة الحلف الاطلسي، والمتمركزة تحديدا في شتوتغارت-ألمانيا (United States European Command or USEUCOM)[14] تفكر بتوسيع قواعدها الى جنوب المتوسط في اتجاه افريقيا وتحديدا في تونس والمغرب.[15 ومن غير الواضح من اين تحصل المسؤولون عن هذه الدراسة على الإشارة المباشرة الى تونس والمغرب، غير انهما يشيران الى حوار قامت به قناة (MSNBC News) مع قائد (USEUCOM) الجنرال جيمس جونس (James Jones)، في شهر اكتوبر الماضي يشير فيه بشكل عام الى ضرورة إقامة قواعد عسكرية "في مكان ما من افريقيا".[16 وعند محاولتنا التوصل للموقع الاصلي للقناة المذكورة والاطلاع على الحوار المذكور باستعمال الرابط المشار اليه في التقرير فقد وجدنا حوارا مختلفا بعض الشيء وفي تاريخ مغاير (28 سبتمبر)، غير انه لا يذكر بدوره بالاسم تونس والمغرب كمواقع للقواعد العسكرية المراد إقامتها في "مكان ما في إفريقيا".[17] وفي جميع الاحوال فيبدو ان تقرير الهريتاج فاوندايشن المكتوب اصلا اسابيع قليلة بعد هذا الحوار قد تضمن معلومة سرية يبدو انها كانت احد اسباب تأخير نشر التقرير الى شهر ديسمبر. وليس واضحا ماهي اسباب نشرها الان لكن التقرير الذي هو في الاساس دراسة تحليلية قد كان له بسبب هذه المعلومة بالذات طابع السبق الصحفي، وهو ما جعله مادة إخبارية لعدد من الدوريات.[18]
ومما يلفت الاتنباه الى جانب المعطى الخاص بإقامة قواعد عسكرية في تونس والمغرب، هي الافكار التي تعرض لها الجنرال الامريكي جيمس جونس في الحوار التلفزي المذكور أعلاه، حيث حرص على التوضيح ان هذه القواعد لن تكون مشابهة للقواعد العسكرية الضخمة (massive) وانها ستكون "مواطئ قدم في شكل معابر بدائية، مع صيانة بمستوى ضعيف، لكنها استراتيجية"، وأضاف بأنها ستكون بمثابة "الزنابق المائية" (lily pads). وهذا يعني ان الحديث لا يقع هنا عن قواعد بحجم تلك الموجودة في أوروبا او السعودية او قطر، بل اقل ظهورا للعيان بكثير، وهو ما لن يستدعي بالضرورة الاعلان عنها، وهو ما يتفق على الارجح مع رغبات الحكومتين التونسية والمغربية.
من جهة اخرى، فإن تقرير الهريتاج فاوندايشن بالاضافة الى حوار الجنرال جونس يضع هذا التوغل العسكري في شمال افريقيا ضمن استراتيجيا التعاون الاطلسية بين اوروبا والولايات المتحدة، خاصة وان الجنرال جونس، المعني الاساسي بهذه الخطوة، هو فعليا على رأس القيادة الاطلسية. وبمعنى اخر فإن هذا التوغل العسكري لن يكون محصورا بالضرورة في القوات الامريكية، غير اننا يمكن ان نكون متأكدين في جميع الاحوال ان بعض الجنسيات الاوروبية ستجد بعض الصعوبة لتكون ضمن هذه الخطة، وهو ما ينطبق على سبيل المثال على القوات الاسبانية في حالة إقامة قواعد في المغرب.
يبقى ان نشير انه قبل تداول تقرير الهريتاج فاوندايشن لهذه الافكار في شهر ديسمبر 2003، فقد راجت اخبار مماثلة خلال السنوات الاخيرة - بالرغم من انها لم تكن مؤكدة - عن بعض العسكريين الامريكيين تشير بشكل علني الى تونس والمغرب كمجالات يمكن ان تستقبل قواعد عسكرية محتملة للولايات المتحدة في المستقبل القريب. وقد بدأت هذه الاخبار في التداول مع طرح العسكريين الامريكيين وخاصة الجنرال جيمس جونس لاسماء عدد من الدول الافريقية التي يمكن ان تستضيف مثل هذه القواعد. ففي 1 ماي 2003 تناقلت بعض وسائل الاعلام الغانية تصريحات لجونس يشير فيها الى غانا كأحد الدول المرشحة ان تكون مقرا لاحد القواعد العسكرية الامريكية والتي ستسع حوالي الالف جندي امريكي وذلك لمواجهة "الخطر الاصولي في نيجيريا".[19 اثر ذلك باكثر من شهر وتحديدا في 10 جوان 2003 نشرت صحيفة الوول ستريت جورنال واسعة الاطلاع تقريرا مهما حول "خطط امريكية لتخفيضات هامة في عدد القوات الامريكية المتمركزة في المانيا". ونقلت الصحيفة عن "مسؤولين رسميين في وزارة الدفاع" تفكيرهم في إمكانية إقامة قواعد عسكرية "شبه دائمة" في كل من تونس والمغرب والجزائر في إطار التحويرات الكبيرة المزمع ادخالها على الانتشار العالمي للقوات الامريكية.[20 ولكن اهم ما في هذه التقارير اشارة بعضها الى ان هذه التحويرات العسكرية تأتي ضمن تحويرات سياسية امريكية تؤكد بشكل خاص على لعب دور "الشرطي العالمي" (Globalcop) وهو ما يقع ربطه بالاساس برؤى مجموعة المحافظين الجدد داخل البنتاغون.[21
في نفس الوقت تداولت اوساط المعارضة التونسية في الخارج انباء من داخل تونس تؤكد الانباء الصادرة عن المصادر الاعلامية الامريكية. حيث هناك حديث عن نية لاقامة قاعدة امريكية في جهة بنزرت وستشمل تحديدا قاعدتين عسكريتين تونسيتين: القاعدة الجوية سيدي أحمد والقاعدة البحرية باشاطر. ويعني ذلك عمليا مجالا استراتيجيا من الساحل الشمالي الشرقي التونسي يقع بين منطقتي سجنان وكاب سرات.[22] ومهما كانت صحة هذه التفاصيل وما إذا كانت ستفذ بالدقة الواردة اعلاه، فإنه من المؤكد ان بنزرت كما سنشير اسفله كانت في فترة سابقة منطقة محبذة لدى الاستراتيجيين العسكريين الامريكيين
ماهي اذا العوامل التي تقف وراء الرغبة الامريكية في إقامة قاعدة او قواعد عسكرية في تونس؟
- ما وراء "الزنابق المائية"
يشير تقرير الهريتاج فاوندايشن الى الاطار العام الذي يفسر ما يمكن ان يدفع الولايات المتحدة الى التفكير في إقامة قواعد عسكرية في تونس والمغرب، وهو تزايد النزاعات جنوب الصحراء مما يخلق ظروفا مناسبة حسب التقرير لتوغل القوى "الإرهابية"، وينعكس ذلك في النفوذ الذي مازالت تحافظ عليه بعض الجماعات المسلحة في الصحراء الجزائرية وشمال النيجر. ومن المهم الاشارة في هذا الاطار الى تقرير صدر اخيرا (30 ديسمبر 2003) عن المؤسسة البحثية النافذة في واشنطن "مجلس العلاقات الخارجية" بعنوان "افريقيا: محميات الارهاب"، حيث تم فيه إدراج تونس، الى جانب الجزائر ومصر ضمن الدول الافريقية التي تمثل تهديدا متوسط المدى في علاقة بامكانية تطور "التهديدات الارهابية" فيها ومنها.[23 وفي الواقع فإن الانباء الاخيرة عن مشاركة الامن التونسي في الشبكة العملياتية للمخابرات الامريكية والبريطانية في العراق والتي تستهدف ملاحقة المتطوعين العرب تأتي ضمن هذا الاطار حيث تقع الاشارة الى تونس كاحد اهم مصادر "الارهاب"، حيث يخلط الامريكيون بشكل متعمد ومتزايد بين التطوع مع المقاومة العراقية وبين الانضمام لتنظيم القاعدة.[24
من جهة أخرى، يشير الجنرال جونس الى عوامل أخرى، تدفع بقيادة الحلف الاطلسي للتفكير في التوسع جنوب المتوسط، وهو تحول نقطة الجاذبية في العلاقات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة عن اوروبا الغربية مقابل الاهمية المتزايدة بالنسبة للاستراتيجيا الامنية للولايات المتحدة للمنطقة التي يطلق عليها الجنرال تعبير "الشرق الاوسط الكبير"، ويعني بذلك العالم الاسلامي بشكل عام. كما يؤكد بدوره على ان الفراغ السياسي الكبير في كثير من المناطق الافريقية يستحث الولايات المتحدة لسده حتى لا تتحول الى مراكز لـ"الاصولية" و"الاجرام".[25] وقد تأكد في خلال الايام الاخيرة ان تصريحات جونس هذه جدية بشكل كبير، حيث تناقلت تقارير صحفية مختلفة منذ 22 جانفي2004 انباء عن جهود امريكية وتركية داخل الحلف الاطلسي لإقناع الحلفاء الاوروبيين على ضم دول عربية من جنوب المتوسط بما فيها تونس إضافة الى اسرائيل الى الحلف، وهو ما يمكن ان يُعلن عنه في قمة الناتو في جوان القادم.[26] وليس من الصدفة ان يكون الجنرال جونس احد المصادر الاساسية للتأكيدات الأخيرة حيث كرر بشكل واضح خطط تجديد تركيبة الحلف لتضم الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة وأشار بوضوح الى تونس.[27] وهو ما يشير الى ان إقامة قواعد عسكرية امريكية في تونس يمكن ان يكون تحت غطاء اطلسي يضع تونس ضمن موقع "الحليف" او على الاقل عضو بمرتبة ما ضمن الناتو
كما يمكننا ان نضيف الى تغير الرؤية الاستراتيجية للمنطقة، الاهمية الدائمة التي توليها الولايات المتحدة للمنابع النفطية، وحرصها على البقاء بالقرب منها. نشير الى هذا العامل خاصة وان الفترة الاخيرة قد حملت تزايدا في الاكتشافات النفطية في تونس على سبيل المثال. وبالرغم من ان ذلك لا يجعلها دولة نفطية بالمقاييس الخليجية وحتى بالمقياس الليبي او الجزائري، فإن وجود هذه الاكتشافات الاخيرة في الجنوب التونسي ينسجم مع النوايا الامريكية لتركيز قواعد تشرف على الصحراء الكبرى. فقد أُعلن في شهر ديسمبر وحده اكتشاف شركة اجيب بالتعاون مع شركة بريطانية حقلا نفطيا ضخما في منطقة برج الخضراء، ومنح تراخيص للتنقيب النفطي لعدد من الشركات الاوروبية مع الشركة التونسية للانشطة البترولية في مناطق تطاوين ورمادة.[28 ومن المهم التذكير هنا ان أهم الاستثمارات الامريكية في تونس تتركز في مجال الطاقة وخاصة في المجال النفطي وذلك حسب تقرير امريكي صادر سنة 1996. [29] لكن بالاضافة الى النفط التونسي فإن قاعدة عسكرية ولو محدودة في الجنوب التونسي ستكون على مرمى حجر من احتياطيات اكبر بكثير تقع على امتداد المناطق الصحراوية الجزائرية والليبية، كما ان الولايات المتحدة كانت دائما مهتمة بـ"الحفاظ على امن" الاحتياطيات النفطية في غرب القارة الافريقية وخاصة منطقة خليج غينيا، وذلك في إطار توسيع مصادرها النفطية
غير ان الرغبة الامريكية في إقامة قواعد عسكرية في المغرب العربي وفي تونس والمغرب تحديدا ليست بالجديدة، وبرغم تغير الظروف فقد كانت دائما حاضرة لدى المسؤولين الامريكيين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. حيث كانت التقارير السرية خاصة تلك الصادرة عن مجلس الامن القومي الامريكي حول منطقة شمال افريقيا والتي كانت تصدر مرة كل سنة تؤكد سواء في الفترة الاستعمارية او ما بعدها على اهمية البحث عن صيغ لإقامة قواعد عسكرية امريكية في كل من تونس والمغرب. وحتى خلال المحادثات الاولية الجادة مع الحركات الوطنية وذلك أثناء اقتراب تسلمها السلطة او إثر ذلك كانت هذه النقطة في اعلى سلم الاوليات الامريكية. وأثناء أزمة بنزرت على سبيل المثال وكما ينقل تقرير لوكالة المخابرات المركزية الامريكية بتاريخ 22 جويلية 1961 فقد كان هناك رغبة امريكية لتعويض الفرنسيين في ميناء بنزرت في حالة ما فشل الاخيرون في البقاء هناك.[30 ورغم عدم وجود خطط امريكية محددة ومعروفة خلال فترة طويلة، فإن الرغبة في اقامة قواعد عسكرية في تونس والمغرب تجددت اواخر التسعينات لدى الاوساط العسكرية الامريكية المتمركزة في اوروبا، وتحديدا في ايطاليا. فقد نقلت احد الصحف الامريكية بتاريخ 18 افريل 1999 عن اميرال القوات الجوية الامريكية في ايطاليا تفكير وزارة الدفاع الامريكية في "مواقع تدريب جديدة (للقوات الجوية الامريكية) في تونس والمغرب" بديلة للمواقع التي تعودوا استعمالها في ايطاليا، وذلك إثر الحادث الذي جد سنة 1998 في الاجواء الايطالية بعد اصطدام احدى الطائرات العسكرية الامريكية باحد الكوابل الكهربائية وهو ما ادى الى وفاة حوالي عشرين مواطنا ايطاليا. ويشير الاميرال الامريكي الى ان ما انجر عن الحادث الاخير من تقييد لطيران الطائرات الامريكية على مستوى منخفض، دفعهم للبحث عن مواقع جديدة لا تفرض فيها مثل هذه القيود.[31 ومن الواضح هنا ان الحديث لا يتم على اجراء مناورات مشتركة بل عن قواعد عسكرية جوية تستخدم رسميا لاغراض التدريب
وفي الواقع فإن برامج التدريب العسكري المشتركة بين تونس والولايات المتحدة معروفة خلال عقد التسعينات. فهناك مثلا برامج التدريب الروتينية والتي يشارك فيها ضباط تونسيون في اطار برامج تدريب مضيقة تقام في الولايات المتحدة، والتي لا تتعلق فقط باستعمال الاسلحة بل ايضا بصيانتها. فقد نقلت على سبيل المثال احد الصحف في شيكاغو في نوفمبر 1999 مشاركة ضباط تونسيين من سلاح البحرية ضمن تدريبات تتعلق بصيانة الاسلحة الامريكية.[32 من جهة اخرى شارك عسكريون تونسيون ضمن تدريبات في ولاية نيو يورك شملت عددا من الدول وذلك في اطار التعاون بين حلف الاطلسي وقوات "شريكة".[33 مقابل ذلك فقد تم ارسال قوات امريكية مع طائراتها "في مهام عسكرية" الى تونس على الاقل مرة واحدة خلال السنوات الاخيرة. حيث اعلن ضباط امريكيون في حدود شهر افريل من سنة 1999 انه تم ارسال مثل هذه القوات الى عدد من الدول من بينها تونس.[34 لكن عموما لا تشير هذه المعطيات الى وضع جديد، فقد كان التركيز على الدورات التدريبية المشتركة احد النقاط الاساسية في "التعاون العسكري التونسي الامريكي" منذ فترة طويلة. ومن المعروف على سبيل المثال ان الرئيس التونسي الحالي قد شارك في دورات تدريبية مماثلة في بداية حياته العملية. كما ان جزء اساسيا من المساعدات العينية التي تقدمها الولايات المتحدة الى تونس، كانت تتعلق بدعم برامج التدريب العسكري المشترك. واخر ما هو معلوم حول مثل هذا الدعم هو منح الرئيس الامريكي بوش الابن في اوت 2002 (بعد سنة من عرض قرار المساعدة على الكونغرس) ما قيمته خمسة مليون دولار الى تونس في شكل مساعدات عسكرية خاصة ببرامج التدريب.[35
إلا ان النوايا الحالية لا تأتي في ظروف مغايرة فحسب بل تأتي ايضا لتحقيق أهداف مختلفة بعض الشيء عما كانت عليه الاهداف الامريكية خلال الحرب الباردة. حيث نرى في ذلك جزء من الاحاديث الدائرة حول برامج المحافظين الجدد لما يسمى بـ"دمقرطة" المنطقة العربية وهو ما ظهر خاصة من خلال محاضرات ومقالات وما يتسرب عن لقاءات كوندليزا رايس حول هذا الموضوع. وافتتحت رايس حملتها حول "دمقرطة" المنطقة العربية بمحاضرة يوم26 جوان في لندن دعت خلالها "الحلفاء الاطلسيين" للتعاون لتحقيق هدف جديد لا يقل عن هدف إسقاط المعسكر السوفياتي، وهو هدف "دمقرطة" المنطقة العربية التي أضحت في رأيها مصدرا اساسيا للخطر القادم الا وهو "الارهاب العالمي".[36 إثر ذلك بأكثر من شهر وفي مقال بصحيفة الواشنطن بوست بتاريخ 7 أوت 2003 طرحت رايس نفس الافكار أعلاه بيد أن الروح الخطابية في هذا المقال لم تتح المزيد من وضوح الرؤية عن الخطوات العملية وراء هذا المشروع خاصة حول الدور الذي سيلعبه حلف الاطلسي (الناتو). إثر ذلك بأشهر وتحديدا يوم 6 نوفمبر 2003 تبنى الرئيس الامريكي الافكار العامة لرايس، مع التركيز على إمكانية "تعايش الديمقراطية مع الاسلام" وتجنب الاشارة الى دور الناتو في "استراتيجيا نشر الحرية" هذه، وذلك في خطاب روج له البيت الابيض بأنه "تاريخي" بالنسبة للرؤية الامريكية للمنطقة العربية.[37 وحتى تلك اللحظة لم تتوفر بعد اية تفاصيل عن الخطوات العملية لمشروع "دمقرطة" المنطقة العربية هذا.
ولكن مع بداية شهر ديسمبر بدأت بعض الصحف العربية بنشر ما تسرب، على الارجح عبر مصادر اوروبية، من بعض الاجتماعات والمسودات الاولية لمشروع رايس. ففي عدد 1 ديسمبر من صحيفة الحياة، صدر تقرير بعنوان بوش سيطلق مبادرة "الشرق الأوسط الأوسع" للاعتماد على الـ"ناتو" في تحويل المنطقة الى ديموقراطيات". وفي التفاصيل يذكر التقرير ما يلي
"وتولت مستشارة الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي كوندوليزا رايس وضع نظرائها الأوروبيين في صورة هذه "المبادرة"، اذ عرضتها عليهم خلال مأدبة عشاء جمعتهم اخيراً في لندن، على هامش زيارة الرئيس بوش لبريطانيا. وعلم ان معاونها بوب بلاكويل مكلف ببلورة هذه المبادرة والتحضير لها. والفكرة كما عرضتها رايس هي بمثابة "خريطة طريق" لتغيير من المغرب الى المشرق، "على اساس الديموقراطية واحترام حقوق الانسان والحريات"، وتتولى مكاتب لـ"ناتو" تطبيقها ومتابعتها (...) وفي شرحها لـ"المبادرة" قالت رايس ان "أولوية الولايات المتحدة الآن هي تحويل الشرق الأوسط الى ديموقراطيات على النموذج الاميركي، وعبر فتح مكاتب للناتو في عواصم المنطقة لتتولى نشر هذه المبادرة
ويضيف التقرير ان عددا من المسؤولين الاوروبيين قد عارضوا هذه الرؤى، وخاصة ما يرتبط منها من تحاليل خاصة في علاقة بالوضع الفلسطيني والدعم الامريكي لحكومة شارون وسياساته. كما علق بعضهم على إقحام الناتو في عملية "الدمقرطة" العربية وأشار الى مسألة اساسية في علاقة مباشرة بما نحاول قوله في هذا المقال، حيث حذر أحد المسؤولين الاوروبيين من "من خطورة"عسكرة العلاقة الاميركية - الشرق الأوسطية عبر استخدام الناتو لهذا "الغرض"
وفي الواقع فإنه من المهم التفكير في مشروع "دمقرطة" المنطقة العربية الذي يروج له فريق المحافظين الجدد في علاقة بالخطط العسكرية الامريكية، بما في ذلك توسيع الوجود العسكري بيننا، من الوجود العسكري الكبير في العراق، والذي تحول الى قاعدة عسكرية امريكية كبيرة، الى "الزنابق المائية" في تونس والمغرب
وقد أكدت تقارير لاحقة تقرير صحيفة الحياة، خاصة في سلسلة من المقالات التي صدرت في صحيفة الاسبوع المصرية بقلم مصطفى بكري (خاصة في عدد 8 ديسمبر 2003) والتي وفرت تفاصيل اضافية حول الورقة التي بصدد صياغتها مساعد رايس، روبرت بلاكويل. ويضيف احد هذه المقالات ان أحد البدائل المطروحة في "مراقبة وفرض انتخابات نظيفة" في البلدان العربية، والتي تعني بالمناسبة إبعاد "العناصر المشكوك في انها ارهابية او متطرفة" والتي سيتم تحديد قوائم بأسمائها بالتعاون مع الاجهزة الامنية التي تعينها الدكتاتوريات القائمة اصلا، هي الاستعانة بمكاتب للناتو او لهيئة عسكرية اوروبية امريكية مشتركة متفرعة عنها، تضيف الى أقسامها العسكرية اقساما لـ"التطبيق الديمقراطي" و"الحريات" و"احترام معايير حقوق الانسان".[38] وبيدو ان الاراء العامة التي يقوم بصياغتها بلاكويل، استاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، وحتى الاخبار المتعلقة به تستحق انتباها خاصا من الان فصاعدا بفعل تعاظم مكانته السياسية داخل البيت الابيض في الاسابيع الاخيرة (اواخر ديسمبر 2003). حيث تشير تقارير صحفية امريكية الى امساكه باهم ملفات السياسة الخارجية الامريكية وتجاوزه لاهم اعمدتها بما في ذلك رمسفيلد وباول وحتى رايس التي يُفترض انه مساعد لها، حيث اصبح مرتبطا مباشرة بالرئيس الامريكي، ومكلفا منه شخصيا بمهمة "منسق التخطيط الاستراتيجي".[39 وفي الواقع فرغم التهميش الظاهر لبلاكويل في السنوات الاخيرة، بما في ذلك ارساله سفيرا الى الهند سنة 2001، فإنه كان من اهم عناصر الفريق السياسي الحالي للمحافظين الجدد والذي شارك في حملة بوش الابن الرئاسية سنة 2000، والذي اشتهر في تلك الفترة المبكرة بتسمية "فريق البراكين".[40 ولعله من المهم الاشارة في اطار المسائل التي تناولناها اعلاه ان بلاكويل كان ولا يزال متميزا داخل هذا الفريق بدفاعه القوي، حسب بحوثه ضمن "مجلس العلاقات الخارجية"، عن سياسة دفاعية مشتركة بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، وهو ما يفسر على الارجح التركيز الامريكي المتزايد مؤخرا على اهمية دور الناتو في الخطة الامريكية المتوقعة لـ"دمقرطة" المنطقة العربية
وعموما فهناك علاقة بين التوجه لإقامة قواعد عسكرية امريكية في المنطقة المغاربية ضمن إطار الناتو والحديث المتزايد عن إقحام الناتو في شؤون سياسية وخاصة فيما يسمى بمشروع "دمقرطة" المنطقة العربية. ويمكن حينها تصور ما هي "الديمقراطية" التي ينشدها المحافظون الجدد في منطقتنا العربية: إقامة تداول سياسي شكلي بدون استقلال فعلي، مع المحافظة على مبدأ اولية المصالح الامريكية على المصالح الوطنية، وطبعا من لا يوافق على هذا المبدأ سيتم تصويره كطرف خطير يهدد الاستقرار وبالتالي معادي لـ"الدمقراطية"
خاتمة: حول زيارة ابن علي الى واشنطن وحول ان الاستقلال الوطني شرط اساسي للدولة الديمقراطية
من غير المعروف هل ان الاعلان عن الرغبة الامريكية في انشاء قواعد في تونس والمغرب مع شهر ديسمبر كان مجرد مصادفة من حيث تزامنه مع الاعلان عن التفاهم الليبي الامريكي في اواخر نفس الشهر. وقد رافق الاعلان عن الوجهة الاستراتيجية الجديدة لنظام العقيد القذافي حديث عبر، خاصة في حوارات مع ابنه سيف الاسلام، عن استعداد ليبي لتعاون عسكري مع الولايات المتحدة وحتى عن استقبال قواعد عسكرية امريكية. ويأتي ذلك في نفس الوقت الذي تسربت فيه اخبار عن محادثات سرية لتطبيع محتمل بين ليبيا واسرائيل. واذا حاولنا الربط بين هذه الاعلانات، واعتبار تزامنها ليس مجرد مصادفة، فيمكن ان نتحدث انذاك عن ان الاعلان المبكر عن الرغبة في انشاء قواعد امريكية في تونس والمغرب كان ربما سيشوش على المحادثات الليبية الامريكية قبل الاعلان عن التفاهم بين الجانبين خاصة وان ليبيا كانت تنظر دائما بعيون متشككة للنوايا الامريكية. كما ان التوصل لتفاهم مع ليبيا ربما جعل الطرف الامريكي والاطراف المغاربية اكثر ارتياحا من حيث خياراتهم في المنطقة خاصة ان الجميع مؤهلون الان لاستقبال قواعد عسكرية امريكية حيث ستنضاف ليبيا الى قائمة الدول التي يمكن ان تنشئ فيها الولايات المتحدة قواعد عسكرية، وهو ما انعكس في الحوارات الاخيرة لسيف الاسلام القذافي، وبالتالي لن يشعر اي كان بحرج خاص، وكما يقول المثل "إذا عمت خفت". وبعيدا عن هذه التكهنات فمن المؤكد ان الاعلان عن التفاهم الامريكي الليبي ستؤثر على الاستراتيجيا العسكرية والسياسية الامريكية في المنطقة، خاصة اذا ارتمى النظام الليبي بشكل كامل في الحضن الامريكي، وهو ما سينعكس خاصة على الاهتمام الامريكي الخاص بتونس بشكل سلبي
ويباشر الرئيس التونسي زيارة رسمية الى الولايات المتحدة للقاء الرئيس الامريكي بوش الابن وذلك اواسط شهر فيفري القادم، إن لم يطرأ اي طارئ كما حدث من قبل. وفي الواقع فإن على ابن علي ان يتوقع هذه المرة جدول اعمال مختلف عن جدول اعمال اللقاء الذي كان سيحدث مع الرئيس كلينتون اواخر الفترة الرئاسية لهذا الاخير والذي ألغي بسبب انشغال الرئيس الامريكي في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية. وقد كان وزير الخارجية الامريكي قد حدد خلال الندوة الصحفية التي عقدها في تونس في زيارته الاخيرة الى هناك، مسألة "الحريات" كنقطة من النقاط التي ستم فيها الحديث في هذا اللقاء المرتقب. غير انه من الصعب التكهن بما سيطلبه الامريكيون في علاقة بهذا الموضوع من الرئيس التونسي، مثله في ذلك مثل نظرائه من الرؤساء والملوك العرب، خاصة وان مشروع "دمقرطة" المنطقة العربية لا يزال في مرحلة التداول ومن الواضح ان عددا من الدول الاوروبية ليست موافقة على اهم النقاط الواردة فيه. وهو ما يمكن ان نستقرئه على سبيل المثال في تصريحات شيراك اثناء زيارته الى تونس مؤخرا. غير انه من غير المستبعد ان يطلب الامريكيون في هذه المرحلة التهيئة لإقحام الناتو في المعادلات السياسية الداخلية من خلال طلب إقامة قاعدة او قواعد عسكرية محدودة في تونس بداعي محاربة "الارهاب" في افريقيا. بالإضافة الى ذلك سيضغط الامريكيون من اجل إعادة العلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل على ما كانت عليه، ومواصلة الضغط في اتجاه ارسال تونس قوات عسكرية الى العراق في اطار "القوات العربية والاسلامية" المحدودة التي يرغب الامريكيون في ارسالها الى هناك في اطار التمويه على تواصل الاحتلال الامريكي للعراق، حيث لن يكتفي الامريكيون بالتعاون الامني القائم حاليا والذي يستهدف المتطوعين العرب في العراق. وفي علاقة بالموضوع الاخير سيستشهد الامريكيون على الارجح بالتجاوب المغربي مع المقترحات الامريكية، كما اعلن عن ذلك وولفويتز مؤخرا، لتشجيع ابن علي على الموافقة على هذه النقطة
وفي مقابل ذلك سيواصل الرئيس التونسي التمسك بأهم ثوابت السياسة الخارجية التونسية المتمثلة في العمل على تمتين أهمية الدور التونسي في الاستراتيجيا الامريكية. وفي هذا الاطار سيؤكد على أهمية الدور التونسي في محاصرة المنظمات "الارهابية" بما في ذلك ما نُقل أخيرا عن الجهود الامنية التونسية للتجسس والكشف عن المتطوعين العرب في العراق. كما سيؤكد "دور تونس الايجابي" في خصوص الصراع في فلسطين ومن ذلك الدعم الكامل للمبادرات الامريكية لـ"السلام". غير انه سينتظر مبادرات من دول عربية مجاورة مثل المغرب قبل إعادة العلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل، والتي لم تنقطع على كل حال، على ماكانت عليه، مع الابقاء على مستويات التطبيع الاخرى بل وتنشيطها. ومن المرجح ان يواصل ابن علي التقليد التونسي في طلب دعم مالي واقتصادي من الولايات المتحدة، وسيكون احد محاور مطالبه المالية على الارجح، دعم تنظيم مؤتمر المعلوماتية القادم، والذي بدأ في طلب دعمه علنا خلال الاسابيع الماضية. كما سيطالب على الاغلب بعودة المعونات الامريكية التي تتذمر الحكومة التونسية من قطعها. ومن جهة اخرى فحتى إن حاول التهرب من الالتزام باي شيء في علاقة بمسألة القواعد العسكرية، فليس من المستبعد ان يوافق عليها، خاصة في حالة الاتفاق على بقائها ضمن اطار السرية. وعموما فإن إقامة مكتب اقليمي خاص بـ"المبادرة الامريكية" لتغيير الشرق الاوسط في تونس يشير الى الاستعداد التونسي المبدئي للتماشي مع المطالب الامريكية الراهنة، والتي لازالت ضبابية على اية حال. بالاضافة الى ذلك فإن المصالحة القادمة بين النظام الليبي والولايات المتحدة ستؤثر بالتأكيد على المطالب التقليدية للجانب التونسي للحصول على معونات عسكرية حيث كان "الخطر الليبي الداهم" المبرر الرئيسي للنظام التونسي للحصول على مثل هذه المساعدات من الادارات الامريكية المتلاحقة. وبالتالي فمن الممكن ان يلعب الامريكيون في هذه الحالة ورقة المعونات المالية والعسكرية في اتجاه إقامة نوع جديد من "التعاون العسكري" يتيح إقامة قواعد عسكرية امريكية "شبه دائمة "مقابل استمرار تقديم المعونات والصفقات العسكرية الامريكية مع تونس
لن نسعى في نهاية هذا المقال الى القيام باي خلاصات نهائية حول الافاق البعيدة المدى لتطور العلاقات التونسية الامريكية، فليس هناك داعي للقيام بذلك اذا لم نتوفر على المعطيات الضرورية. وعموما فلا تتعلق افاق هذه العلاقة فقط بما يجري في تلك "القلعة المنيعة" تونس، بل يتجاوزها الى ظروف اشمل ومنها تطور الوضع في العراق المحتل، وما سيؤول اليه المحافظون الجدد على مستوى نفوذهم في اوساط القرار في الولايات المتحدة. غير انه من اهم العوامل التي ستساهم في بلورة افاق هذه العلاقة هو ما سيقوم به عامة التونسيين، مثلهم في ذلك مثل بقية الشعوب العربية، حيث سيكون لتعاظم دورهم في المشاركة السياسية الاثر الكبير في تحديد تعاضم التأثير الامريكي والاطلسي في المعادلات السياسية الداخلية. وبالمقابل فإن العامل الاساسي الذي سيتيح تعاظم دور القوى الكبرى في تحديد الشؤون الداخلية التونسية، هو التخاذل الشعبي عن الإمساك بزمام الامور في البلاد. ومن المؤكد أن الثوابت التي تحدد رؤية النظام الحالي للعلاقة مع الولايات المتحدة بالاضافة الى ثوابت سياسته الداخلية والتي تقف بعناد ضد احقية الشعب التونسي في ممارسة حقوقه السياسية لن تقوم بإيقاف هذا النفوذ الخارجي المتزايد. وفي كلمة، فإن الثوابت التي يقوم عليها النظام الحالي تقف عقبة امام مستقبل افضل لتونس يحافظ على استقلالها ودورها في استقلال محيطها المغاربي والعربي وحاجزا لا يتيح تحولها نحو نظام ديمقراطي. وما يحاول النظام الراهن ترويجه من أقاويل حول ان سياسته الخارجية تعكس "المصلحة الوطنية" هو غير صحيح لسبب بسيط: على مدى النصف قرن تقريبا، سنحتفل بـ"اليوبيل الذهبي" لاستقلال تونس في سنة 2006، وباستثناء الرئيس وبعض مستشاريه لم يشارك اي من التونسيين في تقرير ليس السياسة الخارجية التونسية فحسب بل وايضا ماهية "المصلحة الوطنية"، والتي يبدو ان تعريفها في قصر قرطاج يقف عند حدود "تنشيط السياحة التونسية" واستمرار حكم الحزب الواحد
ربما كان لبعض اراء الرئيس بورقيبة بعض الحكمة، خاصة في علاقة باهمية الحفاظ على توازن دولي. وبالرغم ان تلك المقولة لم تكن تترجم السياسة الفعلية التي كان يقودها، فإنه من الضروري الاقرار بصحتها. إن سياسة خارجية تهتم بالمشاركة في صياغة عالم متوازن القوى هي أحد المبادئ الاساسية التي يجب ان تسعى اليها حكومة ديمقراطية في تونس
ولا نعتقد اننا سنقول حقيقة غير مسبوقة عندما نؤكد ان الحكومة الوطنية الوحيدة الممكنة في المنطقة العربية، بما في ذلك تونس، هي بالضرورة حكومة ديمقراطية. ولسنا مطالبين بالقيام بمعادلة جديدة في تونس، حيث تقوم قوى شعبية وسياسية عبر انحاء العالم وبشكل يومي بالتكيف مع الاوضاع الدولية الطارئة لمقاومة الزحف الامبراطوري الجديد وهي تكتشف من خلال تجربتها العملية علاقات اكثر وضوحا بين المسألتين الديمقراطية والوطنية. إن تكيف القوى الوطنية والديمقراطية مع الظروف الدولية الجديدة وتشكيلها لجبهة عالمية مناهضة للعولمة النيو ليبرالية المتوحشة - الرديف الاقتصادي والثقافي للمحافظين الجدد - قد جعلها تكرس فعليا العلاقة الوطيدة بين الخيارين الوطني والديمقراطي في عالم اليوم. ففي نماذج مثل ماليزيا والحكومات الجديدة في امريكا اللاتينية، حيث اعادت القوى اليسارية المتشددة والوطنية رسكلة برامجها وامسكت بالسلطة عبر الاقتراع الحر، وحتى في المثال التركي الى حد ما، نرى كيف ان إرساء ديمقراطيات في دول تواجه هيمنة الحيف الامبراطوري النيوليبرالي، هو الطريق الامثل للتعبير عن موقف وطني مجلجل ومتماسك
إن الولايات المتحدة من خلال موقعها المميز وبجميع أطيافها هي أول من يعلم بحقيقة هذه التطورات. وهي تملك في الوقت الراهن بديلين: إما العمل ببرنامج المحافظين الجدد من خلال إرسال الجيوش والدبابات وإقامة القواعد العسكرية و"الزنابق المائية" وتنصيب اشباه الحكومات بشكل يدمر الاساس الاولي للديمقراطية: الاستقلال الوطني. وإما العمل برأي الحكمة، وليست قلة من تؤمن بهذه الرؤية في الولايات المتحدة، والاقرار بانه لا يمكن إقامة الديمقراطية في حالة سلب القوى الوطنية المحلية احقيتها في تمثيل شعوبها بداعي انها "متطرفة"
نقول للمحافظين الجدد، الذين يفقهون جيدا تاريخهم الغربي، ولاتباعهم المتوترين من بعض نخبنا العربية، والذين لا يفقهون اي تاريخ: عندما يذكر الكثيرون اثينا في عهدها الكلاسيكي والديمقراطي البدائي، فإنهم يركزون على اهمية انجازها الديمقراطي ونجاحها في إقرار نظام سياسي بدون طغاة. غير ان ذلك لم يكن ليحدث لولا تخلص اثينا من عبودية الامبراطورية الفارسية. وخلال عصرها الديمقراطي كان التغني بملحمة اثينا الوطنية وهزمها للفرس عنصرا قارا يشيع هيبتها ولا يقل عن الافتخار بنظامها السياسي. وفي الدول الغربية الديمقراطية، بما في ذلك الولايات المتحدة، يشغل التغني بالشعور الوطني مكانة مماثلة للفخر بالتعايش الديمقراطي ومستوى الحريات السياسية التي تم تحقيقها، حتى ان اغلب العائلات الامريكية مثلا ترفع بطواعية العلم الامريكي على ابواب منازلها في مشهد يصدم من تعودوا على التفكير بأن مهمة نصب الاعلام هي من اختصاص المصالح البلدية ولجان الاحياء. وإذا زعزعت الاحداث الاخيرة مقولة "الدكتاتور الوطني" وأثبتت ان "دولة وطنية مستبدة" هي المرحلة التي تسبق نهاية الدولة الوطنية ومن ثمة عودة الاحتلال، فإننا يجب ان نتذكر في المقابل ان الديمقراطية، خاصة الاثينية والغربية الشكل، غير ممكنة التحقيق بدون الحفاظ على الاستقلال الوطني
الهوامش
[1] The Atlanta Journal and The Atlanta Constitution. May 20, 1990. COLIN CAMPBELL'S DIARY from Washington. Lost in the White House. CAMPBELL, COLIN. [2] The Australian. North Africa helps US head off militants. January 23, 2004.[3] Ben Yahya, Habib. “The Place of the Maghreb in US-Arab Relations” American Arab Affairs Vol. 13 (summer 1985): 34-37.
[4] Laskier, Michael. “Israel and the Maghreb at the Height of the Arab-Israeli Conflict: 1950s-1970s” Middle East Review of International Affairs Vol. 4/No. 2 (June 2000). http://meria.idc.ac.il/journal/2000/issue2/jv4n2a7.html. [5] “Indeed, in May 1965, Tunisian foreign minister Habib Bourguiba Jr. (the president’s son) came to Washington in search of financial support for Tunisia’s four-year economic development plan. The State Department prodded the Israelis to “convince” the Germans and the French to grant Tunisia $20 million in aid, and for Israel to purchase Tunisian wine. The Israelis intervened on behalf of Tunisia without prior coordination with Tunis. It was hoped that despite Tunisia’s relatively marginal role in inter-Arab affairs, Bourguiba might enlist the help of moderate Arab leaders and together they would foil or sabotage Egyptian and Syrian Arab unity efforts.” أنظر المرجع السابق[6] JA/L’Intelligent No. 2245 du 18 au 24 janvier 2004.[7] The Orange County Register. MISSION TO KILL // THE ASSASSINATION OF THE NO. 2 MAN IN THE PLO. David Halevy; Neil C. Livingstone. 3 July 1988.
“(…) Once the size and scope of Palestinian activities in Tunis became clear, Israeli intelligence operatives began a crash program to recruit Tunisian agents. Some were found abroad, others within Tunisia itself.
Some Tunisian "assets," for whom greed was the incentive, were told the truth, that they were working for Israeli intelligence. High-ranking Tunisian officials were recruited under false pretenses, believing that they would be helping European intelligence services. And some Tunisians, resentful of the PLO presence in their country, volunteered their services to the Israelis.”
تم تداول هذه التصريحات في مؤلفات لاحقة اهمها:Black, I. and Benny, M. Israel’s Secret Wars: a History of Israel’s Intelligence Services. New York: Grove Weidenfeld, 1991. [8] Deeb, M. and Laipson, E. “Tunisian Foreign Policy: Continuity and Change Under Bourguiba and ben Ali” In Tunisia: The Political Economy Reform. Ed. William Zartman. London: 1991: 221-241.[9] Text of English translation of Tunisian President Bourguiba's 3/20/68 message to North Vietnamese President Ho Chi Minh. Cable. DEPARTMENT OF STATE. SECRET. Issue Date: Apr 24, 1968. Date Declassified: Feb 06, 1992. Unsanitized. Complete. 8 page(s). Reproduced in Declassified Documents Reference System. Farmington Hills, Mich.: Gale Group, 2003. Document Number: CK3100061774. [10] Borowiec, A. Modern Tunisia. A Democratic Apprenticeship. London: 1998: 109.[11] http://watch.pair.com/heritage.html; http://www.mediatransparency.org/search_results/info_on_any_recipient.php?153
[12] http://www.heritage.org/Research/NationalSecurity/HLonline_feith.cfm
[13] Carafano, J. and Gardiner, N. “US Military Assistance for Africa: a Better Solution”http://www.heritage.org/Research/Africa/bg1697.cfm#pgfId-1073388
[14] في الموقع الالكتروني الرسمي للقيادة العسكرية الامريكية في اوروبا نجد التعريف التالي :“USEUCOM is a unified combatant command whose mission is to maintain ready forces to conduct the full spectrum of military operations unilaterally or in concert with the coalition partners; to enhance transatlantic security through support to NATO; to promote regional stability; and advance U.S. interests in Europe, Africa, and the Middle East." http://www.eucom.mil/
[15] “EUCOM has remained actively engaged in Africa, with mixed results. U.S. participation in recent peacekeeping operations in Liberia has been effective and appropriately limited. The command is also looking at establishing basing arrangements in countries like Tunisia and Morocco so that U.S. forces can deploy to the continent more effectively if American troops are required.” [16] في الملاحظة (14) للتقرير نقرأ ما يلي:“According to the EUCOM commander, these basing options would be "footprints with dirt strips and very low-level maintenance, but strategically in place. As you might imagine, a lot of those would be perhaps somewhere in Africa and the like. They have been called `lily pads.' That's not a bad visual term to explain the concept, as opposed to the massive, fixed base of the 20th century." Christopher Dickey, "Surrender Monkeys--Not: The NATO Commander Speaks Out," MSNBC, October 6, 2003, at http://www.msnbc.com/news/972918.asp#BODY.”
[17] http://msnbc.msn.com/id/3087083/
[18] http://www.menewsline.com/stories/2003/december/12_16_3.html; http://www.uspolicy.be/issues/africa/africa_nonusgreports.asp.
[19] http://www.ghanaweb.com/GhanaHomePage/rumor/artikel.php?ID=35802
[20] The Wall Street Journal. In a Massive Shift, U.S. Plans To Reduce Troops in Germany. June 10, 2003. Greg Jaffe.“In Africa, virtually all of the facilities where the U.S. is looking atestablishing a presence will require infrastructure improvements. In NorthAfrica, Pentagon officials are looking at establishing semipermanent basesin Algeria, Morocco and possibly Tunisia. The U.S. expects to keep a smallnumber of troops at these facilities and then rotate through a larger force.”
[21] http://www.ghanaweb.com/GhanaHomePage/NewsArchive/artikel.php?ID=37603; http://www.disinfopedia.org/wiki.phtml?title=US_military_presence_in_Ghana
[22] من ابرز و اخر هذه الانباء هو ما ورد في مقال لعبدو معلاوي (وهو رجل امن سابق و معارض تونسي مقيم الان في كندا) صدر في النشرية الالكترونية تونسنيوز بتاريخ 18 جانفي 2004 يشير فيه الى بعض التفاصيل الاضافية التي وردت اليه من مصادر لم يعلن عنها حول إقامة قاعدة عسكرية امريكية في تونس
[23] http://www.cfr.org/background/africa_terror.php
[24] The Australian. North Africa helps US head off militants. January 23, 2004. [25] “The center of gravity for the last 50 years in the alliance has been in Western Europe, but the center of activity is, in my perspective, moving east, and I think it’s not an understatement to say that the geo-strategic center of interest for the foreseeable future has to be the greater Middle East. And therefore the U.S. footprint [deployment] legitimately has to adjust to be as supportive as possible. There’s also an emerging concern, not only for the alliance but for the United States, to our south. Africa is replete with ungoverned spaces for attracting the merchants of terrorism, radical fundamentalism, weapons of mass destruction and all kinds of criminality, and I think we’re going to see more of that.”http://msnbc.msn.com/id/3087083/
[26] Financial Times. Nato recruits Arab allies to stability effort JUNE SUMMIT. January 22, 2004.
[27] Schweizerische Depeschenagentur AG (SDA)- Servizio di base in Italiano. Nato: alleanza pensa anche all'Africa. January 25, 2004.
[28] AFP 21 decembre 2003; Oil & Gas Journal (16/12/2003)
[29] Borowiec, A. Modern Tunisia… : 110.
[30] يتعلق ذلك بالوثائق التالية و التي تحتاج في الواقع لدراسة منفردة:
-Development of psychological operations to achieve U.S. policy and goals in French North Africa (Algeria, Tunisia, and Morocco). Miscellaneous. WHITE HOUSE. SECRET. Issue Date: Mar 30, 1953. Date Declassified: Jul 15, 1985. Unsanitized. Incomplete. 49 page(s). Declassified Documents Reference System. Farmington Hills, Mich.: Gale Group, 2003. Document Number: CK3100217910
-Draft statement of U.S. policy on Tunisia, Algeria, and Morocco. Report. National Security Council. SECRET. Issue Date: Sep 17, 1956. Date Declassified: Feb 15, 1996. Unsanitized. Complete. 31 page(s).
Declassified Documents Reference System. Farmington Hills, Mich.: Gale Group, 2003. Document Number: CK3100084191.
- French-Tunisian conflict analyzed. Memorandum. CENTRAL INTELLIGENCE AGENCY. SECRET. Issue Date: Jul 22, 1961. Date Declassified: Mar 21, 1983. Unsanitized. Complete. 4 page(s). Declassified Documents Reference System. Farmington Hills, Mich.: Gale Group, 2003. Document Number: CK3100178342.
-Summary of conversation between President Kennedy and Tunisian Secretary of State for the Presidency and for National Defense Bahi Ladgham regarding evacuation of French troops from Tunisia. Memo. Department of State. CONFIDENTIAL. Issue Date: Aug 2, 1961. Date Declassified: Jun 30, 1995. Unsanitized. Complete. 5 page(s). Declassified Documents Reference System. Farmington Hills, Mich.: Gale Group, 2003. Document Number: CK3100083006.
[31] Chicago Tribune. April 18, 1999. U.S. ADMIRAL SAYS ITALY NOW UNFIT FOR AIR TRAINING.
“With the United States strictly observing Italian rules on low-altitude flights since a Marine jet severed a ski gondola cable last year, killing 20 people, Italy is now unsuitable for some essential training, an American admiral said Friday.
The admiral, Joseph Prueher, who disclosed part of a report on new flight rules that he wrote with Lt. Gen. Leonardo Tricarico of the Italian Air Force, said the United States is looking for other training sites, including in Tunisia and Morocco.”
[32] Chicago Sun-Times. November 14, 1999. Navy base host to foreign sailors. DAVID SOUTHWELL.[33] The Buffalo News. June 24, 2002. NATO OFFICERS TRAINING AT FORT DRUM. WILLIAM KATES - Associated Press[34] Cape Cod Times. April 18, 1999. Changing of the Guard. ANNE BRENNANOTIS. [35] http://www.whitehouse.gov/news/releases/2001/08/20010822-7.html
http://www.whitehouse.gov/news/releases/2002/08/20020814-4.html
[36] http://www.defenselink.mil/news/Jun2003/n06262003_200306263.html
[37] http://www.whitehouse.gov/news/releases/2003/11/20031106-11.html
[38] http://www.elosboa.com/elosboa/issues/353/0400.asp
[39] Washington Post. December 23, 2003. Foreign Policy Guru Tapped To Aid Rice, a Former Employee. Robin Wright; Washington Post Staff Writer.
[40] New York Times. June 16, 2000. Bush’s Foreign Policy Tutor: An Academic in the Public Eye. Elaine Sciolino.
© Aqlamonline 2004

في اطار تحليل الرؤية الامريكية لمسألة الديمقراطية السياسية في تونس


في اطار تحليل الرؤية الامريكية لمسألة الديمقراطية السياسية في تونس

أقلام أون لاين العدد العـــاشرالسنة الثالثة/ فبراير 2004
ملاحظات حول المواقف الامريكية من دورالاسلاميين عامة والحركة الاسلامية في تونس خاصة في عملية البناء الديمقراطي
الأستاذ الطاهر الأسود (*)
"هؤلاء الاوتوقراطيين (في العالم العربي) يحاولون القول: 'حسنا لولانا لوجدتم انفسكم وجها لوجه مع هؤلاء الاسلاميين 'الاصوليين'. هؤلاء الاشخاص يعشقون هذه الحجة اي ان الاسلام يقف عقبة في الطريق لأن ذلك يبرر تواصل حكمهم الاوتوقراطي." 1
نوح فلدمان - كبير مستشاري بريمر ومؤلف كتاب "ما بعد الجهاد" - 30 سبتمبر 2003
"(...) مثلا رجل علماني قوي (مثل بن علي تونس او صدام من دون وحشية). فهذا المخرج سيكون له بعض ملامح ترسيخ الاستقرار (في العراق) على الاقل على المدى القصير."2
مقتطف من تقرير لـ"مجلس المخابرات القومي" التابع لوكالة المخابرات المركزية الامريكية في الاحتمالات المستقبلية التي سيتطور اليها نظام الحكم في العراق - 8 ديسمبر 2003
لا يخفى على اي كان ان احد المسائل الرئيسية بالنسبة للنقاش حول المسار الديمقراطي في المنطقة العربية عموما بما في ذلك تونس، هي مسألة وضع الحركات الاسلامية في علاقة بهذا المسار. و بالنسبة للولايات المتحدة فمن المعروف ان احد المخاوف الشائعة لدى السياسيين الامريكيين هو "خطر" سيطرة المناهضين للسياسات الامريكية، بما في ذلك الاسلاميين، على اي انتخابات جدية يمكن ان تقام في الاقطار العربية. لهذا نرى ان احد الزوايا الاساسية التي يمكن من خلالها التعرف على حقيقة الرؤية الامريكية لمسألة الديمقراطية السياسية في الاقطار العربية بما فيها تونس هي موقفها من الحركات الاسلامية ودورها بالنسبة للبناء الديمقراطي.
ويلخص الاستشهادان اعلاه بعناية احدث المؤشرات على وجهتي نظر تتنازعان الادارة الامريكية الحالية في علاقة بمسألة موقفها من "ديمقراطية اسلامية" ومن الدكتاتوريات العربية الحالية. و يشمل هذا النزاع مسائل اخرى متداخلة وبنفس الاهمية الاجرائية بالنسبة للسياسة الامريكية في المنطقة مثل: الموقف الواجب اتخاذه من الحركات الاسلامية وهل فكر كل الاسلاميين مماثل لفكر القاعدة؟ وهل هناك اسلاميون معتدلون؟ وهل من الضروري بالنسبة للولايات المتحدة فرض إقامة أنظمة علمانية في المنطقة العربية؟ وهل ان حكومة يقودها اسلاميون هي بالضرورة حكومة غير ديمقراطية؟...الخ.
خلفية وجهة النظر الامريكية المتطابقة مع الموقف التونسي القائل بتعميم تهمة "الارهاب" على جميع الحركات الاسلامية
على العكس من الموقف الفرنسي العام - بفصائله اليمينية واليسارية المهيمنة على الساحة السياسية - والذي يعرف انسجاما فيما يتعلق بالموقف الاستئصالي تجاه الحركات الاسلامية من اللعبة السياسية، وفي التعصب ضد اي مشاركة اسلامية فعلية في الحكم، فإن الموقف الامريكي يعرف انقساما معلنا، و لم تغير احداث 11 سبتمبر من جوهر هذا الانقسام. غير ان الاستتباعات السياسية للموقف الفرنسي، تتطابق مع موقف امريكي سائد لدى عديد الاطراف الامريكية المؤثرة في تقرير السياسية الامريكية. فبالرغم من اختلاف اسس مثل هذا الموقف الامريكي عن الموقف الفرنسي الا انه يلتقي معه على مستوى الاستنتاجات والسياسة العملية الواجب اتباعها، و التي تتلخص في اقصاء الاسلاميين من المشاركة السياسية الداخلية وتعميم تهم "التطرف" و"الارهاب" عليهم، اي عمليا موقف يدافع عن إقامة "ديمقراطيات" عربية من دون اسلاميين، حسب وصف تقرير صحفي امريكي تمت صياغته اثناء تصاعد الازمة الجزائرية سنة 11992.[3]
و الازمة الجزائرية مدخل مناسب هنا، ليس لأهميتها بالنسبة لتطور الاوضاع في تونس فحسب بل ايضا لملاحظة التقارب الامريكي الفرنسي من جهة والنزاع الامريكي الداخلي حول مسألة المشاركة السياسية الفعلية للاسلاميين في السلطة من جهة اخرى. وبطبيعة الحال ليس هناك الى حد الآن وثائق رسمية تكشف اسرار الموقف الامريكي خلال الازمة الجزائرية، غير ان كتابات حديثة تكشف لنا ما خلف كواليس الموقف الرسمي. ففي مقدمة مؤلفه الهام الذي نشر أخيرا "ما بعد الجهاد" (After Jihad)، لاحظ القانوني الشاب نوح فلدمان Noah Feldman المقرب من الاوساط الرسمية الامريكية والذي يلعب دورا مهما في صياغة الموقف الامريكي الراهن تجاه الظاهرة الاسلامية أهمية تطور الوضع الجزائري في صياغة الموقف الامريكي من الظاهرة الاسلامية بشكل عام. 4 ويكشف فلدمان كيف ان توتر الحكومة الفرنسية وموقفها المناهض من قيام حكومة جزائرية بأغلبية اسلامية قد ساهم في حسم الموقف الامريكي في اتجاه دعم انقلاب الجيش الجزائري على المسار الانتخابي، وهو ما تجسد في تصريح لمساعد وزير الخارجية الامريكي في بداية التسعينات ادوارد دجيريجيان لمح فيه الى اعتقاد الادارة الامريكية بحتمية انقلاب اي حكومة اسلامية الى الدكتاتورية حتى لو وصلت الى الحكم عبر المسار الديمقراطي، وهو ما يشير الى الموقف الذي ستتمسك فيما بعد بترديده الحكومة التونسية في جميع المحافل الدولية، حول تعميم تهمة "التطرف" على ظاهرة الاسلام السياسي.
مثال آخر عن موقف بعض الساسة الامريكيين المعادي للحركة الاسلامية اساسا، لكن في علاقة بالحركة الاسلامية التونسية هذه المرة، هو ما أحاط بمحاولة زيارة رئيس حركة النهضة، الشيخ راشد الغنوشي، الى الولايات المتحدة سنة 1994 من اشكالات. 5 فقد كان مقررا ان يشارك الغنوشي كمتحدث رئيسي في لقاء حول الشؤون الاسلامية بجامعة "جنوب فلوريدا" في اواسط شهر ماي من تلك السنة، غير ان احتجاجات قوية صدرت رئيسيا من بعض الاوساط المؤثرة في الكونغرس الامريكي، اتهمت الغنوشي بـ"التحريض على الارهاب" وبالتالي دعت الى عدم تمكينه من الحصول على تأشيرة لدخول الولايات المتحدة. وبفعل قوة نفوذ هؤلاء، ومع التردد الواضح انذاك للموقف العام لوزارة الخارجية الامريكية، مُنع الغنوشي في النهاية من دخول الولايات المتحدة وهو ما ادى الى احتجاج الباحثين الامريكيين المنظمين للندوة، والغائهم لها. ومما يثير الانتباه بالنسبة للتصريحات التي ادلى بها المعارضون لهذه الزيارة هو حرصهم على تشبيه الغنوشي بشيخ الجماعة الاسلامية المصرية عمر عبد الرحمان، والذي اتهمته الحكومة الامريكية بالتورط في هجمات ارهابية في نيويورك قبل ذلك بسنة.
و قد بالغ البعض انذاك في مدى تأثير معارضة الحكومة التونسية للزيارة في قرار منعها، وخاصة حول "الضغوطات" التي قامت بها. فسبب تجند اسماء كبيرة من الاوساط السياسية الامريكية في تلك الحملة لا يرجع بالتأكيد لتدخل النظام التونسي. ومن الاسماء المعروفة التي قادت الحملة لمنع الزيارة عضوا مجلس الشيوخ الجمهوريين والمعروفين بدعمهما المطلق لاسرائيل، الفونسو داماتو وجيسي هلمز. و لم تكن مشاركة اوساط اللوبي الاسرائيلي في التصدي لهذه الزيارة محصورة في اعضاء الكونغرس، بل شملت بشكل علني الجمعية الاساسية الممثلة للمصالح اليهودية في الولايات المتحدة "جمعية مكافحة التشهير". وفي الواقع لم يكن هذا الموقف مبنيا على فراغ فقد قدم المعترضون على الزيارة سواء في رسالتهم الى الخارجية الامريكية او في حملتهم الصحفية، مؤشرات كثيرة، تفسر موقفهم المتصلب. وتتلخص اساسا في تصريحات معادية للاحتلال الاسرائيلي وللحرب الامريكية على العراق يدعو فيها الغنوشي لشرعية المقاومة المسلحة للاحتلال. غير انهم لم يقدموا اية معطيات جديدة حول التهمة الاساسية التي قدموها للخارجية الامريكية والقائلة بتخطيط الغنوشي لعمليات ارهابية في تونس وذلك بناء على نص محاكمة النظام التونسي له بداية التسعينات والتي شككت في عدالتها الاوساط الامريكية المهتمة بحقوق الانسان.
وفي الواقع تعكس لنا هذه الحادثة مسألة اساسية تفرق بين موقف بعض الساسة الامريكيين القاضي بتجريم الاسلاميين جملة وتفصيلا عن نظرائهم الفرنسيين. فالخلفية الاساسية لموقف الامريكيين هو موقف الحركات الاسلامية من اسرائيل، وبالنسبة لهم فما دام هؤلاء يرفضون التطبيع ويدعمون المقاومة فإنهم "متطرفون". وبالتالي فالموقف الامريكي المناهض للتيارات الاسلامية هو بالاساس موقف سياسي وليس له علاقة بحجة تهديد الاسلاميين للديمقراطية وبالتاكيد ليس له علاقة بمسألة فصل الدين عن الدولة. وحتى تكتمل الدائرة نشير في المقابل الى حرص الحكومة التونسية منذ امد طويل على كسب الاطراف الامريكية المؤثرة من خلال دعم علاقتها بالاسرائيليين (انظر مقالنا حول العلاقات الامريكية التونسية في هذا العدد).
من جهة اخرى فإن الاشارة الواردة أعلاه في تقرير 8 ديسمبر 2003 لخبراء "مجلس المخابرات القومي" التابع لوكالات المخابرات المركزية والذي يضم في الواقع مسؤولين تنفيذيين سابقين في عدد من الادارات الاستخبارية الامريكية، حول "الاستقرار" الذي يمكن ان يجلبه "رجل علماني قوي" مثل بن علي الى العراق، تعكس لنا اسبابا اضافية تفسر عقلية نافذة في قطاعات مهمة من اوساط القرار في الولايات المتحدة تدعم "علمانية" النظام التونسي الحالي ومن ثمة تناهض الحركات الاسلامية. فـ"استقرار" نظام يقبل بالتطبيع مع اسرائيل ويعمل على استئصال الحركة الاسلامية معادلة لم تتحقق بالنسبة للامريكيين الا في امثلة قليلة في المنطقة العربية، خاصة عند استحضار المقارنة الازلية بين الوضعين في تونس والجزائر. فليس من الغريب ان يفضل هؤلاء الخبراء في بقية سردهم لاحتمالات تطور الوضع في العراق نظاما "علمانيا" مثل النظام التونسي على ديمقراطية توصل الاطراف الاسلامية الى السلطة.
وتتردد تفس هذه الرؤية في الولايات المتحدة في اوساط سياسية نافذة ومنابر اعلامية مؤثرة ومن آخر المؤشرات على ذلك مقال "كيف يحارب العرب التيار الاسلامي: رسالة من تونس" صادر في عدد الخريف لنشرية ناشيونال انترست وهي مقربة من تيار المحافظين الجدد حيث أنشأها مؤسس مدرستهم النظرية ارفينغ كريستول. ويدافع كاتب المقال مارشال بريغر بوضوح عن ان افضل طريقة للتعامل مع التيار الاسلامي هي تلك السياسة الاستئصالية التي تعرض لها في تونس، و ينهال في المقابل بالنقد على المنظمات الحقوقية لتقاريرها التي تكشف وضعية المساجين الاسلاميين في تونس. 6
حول الموقف الامريكي القائل بضرورة تشريك "الاسلاميين المعتدلين" في المسار الديمقراطي

لقد اعتقد البعض ان احداث 11 سبتمبر وما تلاها من تعليقات كثيرة في الاوساط الامريكية مست حتى الاسلام كديانة "تحرض على الارهاب" بالاضافة الى الحملة الامريكية التي طالت حتى اطرافا معروفة بعلاقتها بتنظيمات بعيدة عن القاعدة مثل محاصرة نشاط الاخوان المسلمين في اوروبا من خلال استهداف شخص يوسف ندا وغيره من الشخصيات الاسلامية، دفع كل ذلك الى الاعتقاد بأن الموقف الامريكي من الحركات الاسلامية سيزداد تصلبا، وان "الحرب على الارهاب" ستعمها جميعا. وهو ما اعتقده بكل تأكيد النظام التونسي الذي سارع مثله في ذلك مثل انظمة عربية اخرى كالنظام المصري، الى الترويج "لصحة خياره" في استئصال الحركات الاسلامية وصحة اتهامها جميعا بدعم "التطرف" و"الارهاب". وهو ما عبر عنه على سبيل المثال السفير التونسي في الولايات المتحدة، في احدى المقابلات التلفزية اياما قليلة اثر احداث 11 سبتمبر. 7

و لم يكن الكثيرون يتوقعون ان تخرج من بين ركام احداث 11 سبتمبر مواقف امريكية يمكن ان تدعو للتفريق بين الاسلاميين اوحتى وصف بعضهم بالاعتدال. غير انه وبعكس أغلب التوقعات والاماني فإن التورط الامريكي المباشر والمتزايد في المنطقة العربية والذي استدرجته اليها استراتيجية المحافظين الجدد الدوغمائية "الاستباقية" قد استثار في الادارة الامريكية حاستها البراغماتية التقليدية وهو ما تجسد ليس في تزايد اصوات اكاديمية مقربة من الادارة الامريكية تدافع عن وجود "اسلاميين معتدلين" وعن ضرورة اشراكهم في بناء "ديمقراطيات اسلامية" فحسب، بل وايضا في ارتقاء مثل هذه الاصوات الى مواقع تنفيذية، والاكثر من ذلك في التعبير عن رؤيتهم والترويج لها بقوة على اعمدة أهم الصحف وعبر البرامج التلفزية الرئيسية. وقد عبر عن هذه التطورات تعيين استاذ القانون الشاب في "جامعة نيويورك" نوح فلدمان على رأس مستشاري بريمر ضمن ادارة الاحتلال الامريكي في العراق.

وقبل التعرض الى مسار فلدمان الشخصي نشير الى أن وضعه الخاص ورغم ما يحمله ذلك من مفارقات هو ببساطة مؤشر على تزايد في درجة نفوذ الاراء المنادية باشراك الاسلاميين في بناء المسار الديمقراطي في الاقطار العربية داخل الاوساط الرسمية الامريكية. وفي الواقع ليس من الجديد ان تعبر اصوات امريكية عن مثل هذا الموقف خاصة قبل 11 سبتمبر. وليس النفوذ الاكاديمي الواسع بالاضافة الى الارتباطات السياسية بادارة كلنتون لباحث كبير مثل استاذ دراسات الشرق الاوسط في جامعة جورج تاون بواشنطن، جون اسبوزيتو، والذي عرف بمثل هذه المواقف الا تعبيرا عن علاقته ببعض الاوساط النافذة في الولايات المتحدة. ومن المعروف ان اسبوزيتو قد دافع بشكل دائم عن ضرورة تشجيع الاوساط الاسلامية المعتدلة في المشاركة في بناء الديمقراطية في الاقطار العربية، و هو يكن بشكل خاص احتراما كبيرا للتجربة الاسلامية في تونس ولرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، عبر عنه بشكل متواصل سواء في كتاباته السابقة او اللاحقة لاحداث 11 سبتمبر والتي تتمتع برواج كبير سواء لدى الاوساط الاكاديمية او السياسية الامريكية. ومن المهم ان نعرف في هذا الاطار ان اسبوزيتو يلقى نقدا لاذعا ويتعرض لهجوم لا يتوقف من الاوساط الداعمة لاسرائيل وخاصة من "باحثين" من نوع دانيال بايبس، والذين يعملون بوسائل مختلفة للتقليل من تفوذه ومن ذلك محاولتهم مؤخرا دفع الكونغرس الى سن قوانين خاصة للتقليل من تأثير رؤى باحثين مثل اسبوزيتو في الاوساط الاكاديمية الامريكية.

غير ان اهم الاصوات السابقة لاحداث 11 سبتمبر والتي يمكن ان نشير اليها في علاقة بمواقف مسؤولين امريكيين مساندة لإشراك الحركة الاسلامية في المسار الديمقراطي نجدها في اوساط الاجهزة البيروقراطية المخابراتية والديبلوماسية الامريكية المختصة في شؤون المنطقة العربية، والتي تعتبر من اكثر الاوساط معرفة بالاوضاع العربية، وهي تتعرض منذ صعود نجم المحافظين الجدد الى اتهامات من نوع "الاستشراق" - بمعنى تحولهم الى التعبير عن الرأي العربي في الولايات المتحدة عوض التعبير عن الموقف الامريكي امام العرب. ومن الملاحظ ان مثل هؤلاء الاشخاص قد تمتعوا بمواقع تنفيذية خاصة في اواخر الثمانينات وبداية التسعينات. ومنهم بالنسبة للاوساط المخابراتية المسؤول الكبير سابقا في وكالة المخابرات المركزية الامريكية اواخر الثمانينات ونائب رئيس "مجلس المخابرات القومي" اواسط التسعينات، غراهم فولر، والذي لايزال يحظى بمكانة خاصة في الاوساط الاعلامية الامريكية كاحد اهم الخبراء الامريكيين في شؤون المنطقة العربية. وقد كان فولر في اغلب مشواره ضمن دوائر المخابرات الامريكية يعمل في المشرق العربي وخاصة في المناطق الساخنة منه، مما ساهم في صياغة اسلوبه للتعامل مع الاوضاع السياسية هناك على اساس براغماتي وعملي. وقد عبر فولر في السنين الاخيرة عن اعتقاد جازم بأهمية تشريك الاسلاميين المعتدلين في بناء الديمقراطية في الاقطار العربية. ومن اهم عناصر تحليله هي رؤيته للحركة الاسلامية كأحد التعبيرات المعاصرة عن الطموحات الوطنية للشعوب العربية، وبالتالي يرى ان وجودها غير قابل للاستئصال ولذلك ليس هناك من خيار حسب رايه الا التعاون مع الاطراف المعتدلة فيها لصياغة وبناء الديمقراطية، و التي يرى في إقامتها خيارا ضروريا ونقطة دفاع اساسية عن الامن القومي الامريكي، و قد عبر عن هذه الرؤية قبل احداث 11 سبتمبر ولكن خاصة بعدها.8

اما في الاوساط الديبلوماسية فنشير بشكل خاص الى روبرت بليترو الابن، السفير الامريكي السابق في تونس اواخر الثمانينات، والذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية الامريكي بين سنتي 1994 و1995. وقد كان بليترو ولايزال يتمتع بنفوذ وسمعة خاصين في اروقة الخارجية الامريكية، رغم اتهامه من قبل اوساط متعصبة لاسرائيل بالدفع الى تطبيع متسرع للولايات المتحدة مع منظمة التحرير الفلسطينية، ورغم ابتعاده الرسمي عن صياغة السياسة الامريكية وانهماكه في ميدان الاعمال خاصة تلك المرتبطة بالمنطقة العربية، انضم بليترو مؤخرا الى مجلس ادارة الشركة الضخمة اي. جي. م. التي يديرها رجل الاعمال المصري المعروف محمد تيمور. وربما يعتقد البعض ان بليترو مساند قوي لسياسات النظام التونسي الحالي، خاصة انه يرأس جمعية "حنبعل" والتي يُعتقد ان النظام التونسي يدعمها كإطار لتجميع مؤيدين لسياساته من داخل الاوساط الامريكية النافذة، وللترويج لتونس كموقع سياحي مهم عبر اجهزة الاعلام الامريكية. وفي الواقع فإن بليترو يزور تونس بشكل متواصل، كما ان تواصل اهتمامه بالوضع السياسي التونسي الداخلي بدا واضحا من خلال لقائه بالرئيس التونسي بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الاخيرة، وادلائه بتصريحات حول الوضع في البلاد. غير انه بالرغم من العلاقة القوية ظاهريا التي تربط بليترو ببن علي، فإنه قد عبر اكثر من مرة وبشكل علني عن اعتقاده بوجود اسلاميين معتدلين، وبأنه "ليس كل اصولي هو ضرورة ارهابي". ففي حوار مع احد الدوريات الامريكية عندما كان يباشر مهامه كمساعد لوزير الخارجية الامريكي، وذلك في سبتمبر 1995، سُئل بليترو عن موقف الرئيس التونسي الذي ينفي "بشدة" وجود اسلاميين معتدلين، والذي يؤمن بان هدف "كل الاصوليين هو إقامة دولة شمولية واوتوقراطية"، حينها اصر بليترو في الدفاع عن موقفه ولو بشكل ديبلوماسي من خلال الاشارة الى ان موقف الرئيس التونسي او غيره ينبع من "ظرفية سياسية خاصة" وانه لا يعبر عن "تحليل موضوعي واكاديمي للظاهرة الاسلامية".9 ويمثل هذا الموقف الرسمي عمليا، لسفير امريكي سابق في تونس، امتدادا لمؤشرات عن تفكير امريكي غير جديد يرجع لما قبل 7 نوفمبر 1987، في التفكير في "الحوار" مع الحركة الاسلامية التونسية، كما اشار الى ذلك احد الصحفيين الامريكيين المقربين من الاوساط الرسمية الامريكية سنة 1986.10

إن هذه المواقف لمسؤولين ولشخصيات نافذة في الولايات المتحدة قبل احداث 11 سبتمبر تدعمت اخيرا من خلال الموقع الذي يحتله نوح فلدمان، والذي يدافع بوضوح ومن دون مواربة، سواء في مؤلفه "ما بعد الجهاد" او في مقالاته ولقاءاته التلفزيونية اللاحقة، عن ضرورة إقحام الاسلاميين المعتدلين في العملية السياسية ومن ثمة العمل على بناء ديمقراطية اكثر مصداقية من الديمقراطيات الشكلية المنتشرة عربيا والتي لاطالما دعمتها الادارة الامريكية فيما مضى. ومؤلفه "ما بعد الجهاد" هو أصلا مقتطع من بحث الدكتوراه الذي انجزه في القانون الدستوري الاسلامي، والذي لم يكن يتوقع ان يحظى بشعبية خاصة لدى الادارة الامريكية، حيث لم يمض وقت طويل على شغله منصب استاذ القانون الدستوري في الجامعة المرموقة "جامعة نيويورك" حتى اقترحت عليه الادارة الامريكية الحالية الالتحاق بادارة الاحتلال الامريكي في العراق للاشراف على كتابة الدستور العراقي وللمساهمة في وضع اسس نظام الحكم القادم. وقد وجه فلدمان في كتابه ملاحظات مباشرة عن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، تعكس فهما شاملا وعميقا للظاهرة الاسلامية والاجتهادات المتعلقة بمسألة الديمقراطية السياسية. ومن هذه الملاحظات ما يلي:

"كيف يمكن تحديدا للاسلام والديمقراطية ان يتعايشا؟ (...) في السنوات الاخيرة ظهرت مقترحات متنوعة لاسلام ديمقراطي مبني على التشاور، ومبدأ مشاركة المحكوم، والتعددية السياسية. اسلاميون ديمقراطيون - من مثقفين مثل التونسي المنفي راشد الغنوشي، الى سياسيين مثل الرئيس الايراني محمد خاتمي، والى الناخب المسلم العادي - لديهم مواقف مختلفة من الديمقراطية الاسلامية. غير ان مختلف ارائهم تتجه في نقطة معينة للالتقاء ويمكن ان تتظافر لتقديم فكرة عامة عن نظرية الديمقراطية الاسلامية." 11

و في مكان اخر يذكر فلدمان الغنوشي كأحد الاسماء الاساسية للمسلمين الديمقراطيين، وأفكاره كمصدر ضمن مصادر الافكار التي يدافع عنها في كتابه:
"الديمقراطية والاسلام فكرتان متغيرتان انتهيتا الى الالتقاء عبر مسار القرن (الماضي). لكنهما الان فقط، و تحديدا في العشرية الاخيرة، دخلتا مرحلة اصبح فيها التأليف الواعي لهما إمكانية حقيقية. البعد الثقافي لهذا التأليف يتمثل في محاولة البعض جعل العلاقة بين الديمقراطية والاسلام قابلة للفهم من خلال التجريد الفكري. وهذا العمل يشمل كتابا ومفكرين في العالم الاسلامي، اعمالهم لاتزال مجهولة لدى غالبية الغربيين: العالمين المصريين يوسف القرضاوي والمرحوم محمد الغزالي، والمثقف التونسي والناشط السياسي لفترة راشد الغنوشي والذي يعيش الان في المنفى، والمثقف الايراني عبد الكريم سورش والذي يسافر بين ايران وجامعات امريكية مثل يال وهارفارد (...) يعمل هؤلاء على التركيز على نقاط التطابق والاشتراك بين الاسلام والديمقراطية. وأفكارهم تنعكس في فصول هذا الكتاب التي تناقش التطابق بين الديمقراطية والاسلام." 12
وحول التجارب الاسلامية الاخرى، يرى فلدمان ان التجربة الايرانية تحمل في طياتها الكثير من العناصر الايجابية، في حين رأى في المسار الانتخابي الجزائري "فرصة ضائعة" لاختبار تجربة ديمقراطية اسلامية فعلية، كما يرى في تجربة الاحزاب الاسلامية التركية نموذجا للحركات الاسلامية التي ترغب في المشاركة الايجابية في البناء الديمقراطي في الاقطار الاسلامية، ويرى انها بصدد لعب دور فعلي في تحقيق ديمقراطية فعلية لا تعتمد نظاماعلمانيا مجردا ومنفصلا عن واقع دولة يبقى سكانها في أغلبهم متمسكين بتقاليدهم الاسلامية. كما يلاحظ الادوار الايجابية المماثلة التي تلعبها الاحزاب الاسلامية في البناء الديمقراطي الحثيث لدول اسلامية اخرى مثل اندونيسيا وماليزيا والباكستان.
ولم تتغير مواقف فلدمان الاساسية بانخراطه في دواليب الادارة الامريكية. حيث يرى ان ديمقراطية فعلية في الاقطار العربية ضرورية، وان الثمن الضروري لتحقيقها هو القبول بواقع ان اسلاميين معتدلين او غيرهم ممن لا يدعمون بشكل كامل السياسات الامريكية في المنطقة سيسيطرون في الاغلب على اية انتخابات جدية، وهي في رأيه مرحلة ضرورية للنضج الديمقراطي في المنطقة، ولو انه من غير الواضح مدى انسجام مساهماته السياسية من خلال وجوده ضمن ادارة الاحتلال الامريكي في العراق مع ارائه العامة المذكورة أعلاه.13 و عموما تتشابه اراء فلدمان مع تحاليل الصحفي الامريكي توماس فريدمان في السنوات الاخيرة في علاقة بالتجربة الديمقراطية في ايران وخاصة في السنة الماضية خلال زيارته لها، حيث لاحظ المظاهر الايجابية لتجربة الحكم في الجمهورية الاسلامية، من حيث احتواؤها للاوساط الاسلامية المحافظة ضمن تجربة تداول ديمقراطي يمكن حسب رأيه ان تنضج في الاتجاه الصحيح، وتشكل نموذجا لبقية الدول الاسلامية من حيث نجاحها في إحداث "التوازن بين العقيدة الدينية والديمقراطية".14
وفي الواقع فإن التخوفات الامريكية المتزايدة من تأثير تواصل الاسلوب الدكتاتوري في الحكم في نشوء اطراف ومنظمات من نوع او على علاقة بمنظمة القاعدة تهدد المصالح الامريكية، ليست محدودة بل تعرف بعض الرواج مؤخرا كما ان هذه التخوفات حقيقية وليست مجرد بالونات اختبار اعلامية وذلك على الاقل في بعض الاوساط الامريكية. فقد صدر حديثا (30 ديسمبر 2003) تقرير عن المؤسسة البحثية النافذة في واشنطن (مجلس العلاقات الخارجية) بعنوان "افريقيا، محميات الارهاب"، تم فيه إدراج تونس، الى جانب الجزائر ومصر، ضمن الدول الافريقية التي تمثل تهديدا متوسط المدى في علاقة بامكانية تطور "التهديدات الارهابية" فيها ومنها.15ومن المثير ان قائمة الدول الافريقية التي وردت في هذا التقرير لا تتعدى العشر دول، كما ان دولا تعرضت لاعمال "ارهابية" واضحة مثل المغرب لم يقع الاشارة اليها. ويفسر معد هذا التقرير ادراجه لتونس ضمن قائمة الدول التي تحتمل ظهور "المنظمات الارهابية" فيها الى الانغلاق الكبير للنظام السياسي فيها، مقابل قمع الحركة الاسلامية المعتدلة. وبغض النظر عن دقة هذا التقرير فإنه يعكس قلقا حقيقيا لدى بعض الاوساط الامريكية المؤثرة في صناعة السياسة الخارجية من اثار طبيعة سياسات النظام التونسي الحالي وذلك طبعا خشية على المصالح الامريكية وليس تعاطفا مع حركة النهضة او غيرها من الاطراف المعارضة.
العوامل التي يمكن ان تؤثر في رجحان احد الموقفين على حساب الاخر
إن الرؤى التي تدور في واشنطن حول المسائل اعلاه تتعلق اساسا بالظرفية الخاصة لهذا النقاش، اي الاحتلال الامريكي للعراق، و يمكن ضبط هذه العلاقة في النقاط التالية:
- إن واقع الاحتلال الامريكي للعراق وما يثيره بوضوح من انخراط لكثير من الاسلاميين سواء داخل العراق او خارجه في المقاومة بجميع مستوياتها العسكرية كانت او السياسية سيكون له بالتأكيد تأثير على اتجاه النقاش الامريكي حول المسائل اعلاه. غير ان تصاعد الحضور الاسلامي في المقاومة العراقية لا يعني بالضرورة تزايد اسباب التصلب الامريكي تجاه الحركات الاسلامية بشكل عام وهو الموقف الذي سينعكس بالضرورة على رؤيتها لمسألة الدور الذي يمكن ان يلعبوه في أقطار اخرى مثل تونس. فتصاعد المقاومة حتى الان يدفع الادارة الامريكية للتفكير في مخارج لانسحابها من العراق - ما يسميه البعض في واشنطن بـ"استراتيجيا الخروج" - اكثر من التفكير في وسائل للبقاء. و بالتالي فرغم ان ذلك يبدو وضعا متناقضا الا انه حقيقي: طابع اسلامي متزايد للمقاومة العراقية او غيرها من الاطراف التي تقف في مواجهة المشاريع الامريكية يجعل الرغبة الامريكية في ايجاد حل وسط مع الظاهرة الاسلامية بشكل عام اكثر احتمالا وليس العكس.
- إن الانخراط المباشر والتورط السياسي الامريكي في الوضع الداخلي العربي من خلال المثال العراقي، سيضع الامريكيين امام حقيقة بات من المستحيل التغاضي عنها: الحاجة الضرورية لإقحام الاطراف الاسلامية - التي تقبل بذلك - في الترتيب السياسي الداخلي. إن وعيا امريكيا بهذا المعطى اصبح اكثر وضوحا مع تصاعد الصراع داخل العراق، و تطور علاقاتهم سواء مع الاطراف الاسلامية السنية او الشيعية.
- بناء على ما ذكرناه اعلاه وبالتخصيص على المثال التونسي فإن الهشاشة السياسية وبالتأكيد الاقتصادية لـ"المعجزة التونسية" وهو الامر الذي لا يخفى على الاوساط الامريكية المعنية، بالاضافة الى التصاعد الواضح للتدين في البلاد الامر الذي يعلمه بالتأكيد الامريكيون، ينفي عن تونس الاستثناء الذي طالما ضمنه المسؤولون التونسيون في خطابهم للاطراف الغربية بما في ذلك الطرف الامريكي. وطال الزمن ام قصر فلا مفر امام الولايات المتحدة من ضم تونس لنقاشها الساخن حاليا حول الدور الذي يمكن ان تلعبه الحركات الاسلامية في اللعبة السياسية الداخلية.
ومن غير المعروف على وجه التحديد علاقة الآراء العامة التي يدافع عنها فلدمان بالتصريحات والمواقف الرسمية الامريكية للرئيس بوش ومستشارته للامن القومي كوندوليزا رايس حول "امكانية تعايش الديمقراطية والاسلام" وحول "ديمقراطيات اسلامية" والتي تم اطلاقها في اطار ما سمي بـ"مبادرة الشرق الاوسط الاوسع" خلال الاشهر الاخيرة. غير اننا اشرنا الى ان البرامج السياسية لـ"دمقرطة" الاقطار العربية، وتونس بالتحديد، في ذهن المحافظين الجدد مرتبطة بخطط عسكرية شاملة، كما انها شديدة الارتباط بمشاريع التطبيع مع اسرائيل، والسياسات الشارونية، ما يجعلها شديدة التقارب مع الملامح التقليدية للاستئصاليين من الاوساط الامريكية والذين يهاجمون الحركات الاسلامية بشكل عام، ولا يقبلون الحوار معها (حول عرضنا ونقاشنا لرؤية "دمقرطة" المنطقة العربية لدى المحافظين الجدد وامتداد ذلك في السياسة الامريكية في تونس انظر مقالنا في هذا العدد حول ثوابت العلاقات الامريكية التونسية
والتفسير الوحيد لهذا الغموض والتداخل بين اطراف مؤثرة تتناقض في تقويمها للحركات الاسلامية هو ان السياسة الامريكية حاليا وخططها المباشرة في المنطقة في حالة غليان وتحت ضغوطات شديدة، مما يجعلها غير دقيقة حتى بالنسبة للقائمين عليها وهو ما يكشف ان الكثير من الخطط الامريكية هي في حالة التجربة وتخضع للغريزة الاساسية للسياسة الامريكية اي الاسلوب الذرائعي الذي لا يتقيد بمبادئ كلية، بالرغم من نجاح المحافظين الجدد في جر ادارة بوش الابن الى حرب ايديولوجية، الامر النادر في التاريخ الامريكي. وكما اشرنا اعلاه فإن التصاعد المؤكد للمقاومة العراقية والطابع الاسلامي الذي تتخذه احيانا كثيرة سيلعب دورا هاما في امكانية الدفع بالادارة الامريكية الى محاولة البحث عن حلول وسطى مع الظاهرة الاسلامية، تتفهم تجذرها في المعادلات السياسية في المنطقة العربية، وهو ما سيتداخل مع القناعة الامريكية المتزايدة بهشاشة الانظمة السياسية العربية، وهو ما يهدد حسب الرؤية الامريكية الامن القومي الامريكي، قبل ان يكون انتهاكا لحقوق الانسان العربي، فبالتأكيد لا تضع الادارة الامريكية مقاومة هذه الانتهاكات على رأس اولوياتها.
إن الاستتبعات المباشرة لهذا الموقف الامريكي ستشمل بالضرورة الساحة التونسية، من جهة رؤيتها وتقويمها لدور الحركات الاسلامية، ولهذا ستكون اقل استعدادا بكثير لتقبل الخطاب الرسمي التونسي المهترئ حول "التطرف الاسلامي" في العام. فالولايات المتحدة تحولت الان وبشكل ما الى احد الانظمة "الزميلة" للدكتاتوريات العربية القائمة، وهي على اطلاع مباشر على الاوضاع الداخلية العربية، ولن تنطلي عليها بسهولة الاراء القائلة بحتمية الابقاء على الطابع الدكتاتوري للانظمة السياسية العربية حتى يتم تخطي "الخطر الاصولي". غير ان تغير الموقف الامريكي في رؤيته للساحة التونسية ليس مرتبطا بتطور الاوضاع في العراق فحسب بل يشمل ايضا تغير الاوضاع في تونس. ويتعلق ذلك على وجه الخصوص بتخلخل القبضة الحديدية للنظام الحالي على المجتمع، الامر الذي لا يحصل عادة حسب تقاليد التغيير السياسي في تونس الا اثر دفعة قوية من جهة الحراك الاجتماعي عبر الواجهة النقابية العريقة في تونس. عندها فقط سيصبح للصوت السياسي الذي تعبر عنه الحركة الحقوقية الان تأثير حقيقي. وطبعا فالحركة الاسلامية التونسية تتموقع الان في صفوف هذه الحركة الحقوقية بما يجعلها في مقدمة الاطراف السياسية التي يمكن ان تستفيد من اي اضطرابات اجتماعية في البلاد. كما أن التدين المتزايد في صفوف المجتمع التونسي يوفر ظروفا موضوعية لا شك فيها لعودة قوية للحركة الاسلامية ولو ان ذلك سيأخذ بالتأكيد اشكالا ومسميات جديدة وربما حتى اكثر من تعبيرة اسلامية، او تعبيرات اسلامية قومية ديمقراطية من نوع جديد، وهي المعادلة التي تبدو اكثر احتمالا خاصة في ظل التطورات التي يشهدها الوضع العربي على المستويين الفكري والسياسي.
إن التأثير الامريكي سيكون محدودا في حالة إمساك الشارع التونسي بالمقاليد السياسية في البلاد. غير انه سيكون مهما في حالة نظام يعتمد في استراتيجيته السياسية العامة على الدعم الخارجي وليس على دعم شعبه. والمفارقة تجعل تغير الموقف الامريكي مرتبطا بالتحديد بالتدخل المتزايد للتونسيين في شؤونهم الداخلية. إن هذا العامل إضافة الى التراجع المحتمل لدور المحافظين الجدد في صياغة السياسة الخارجية الامريكية، بفعل فشل خططهم في ديمومة الاحتلال في العراق، من الممكن ان يجعل الامريكيين يعيدون قراءتهم للرؤية الاستئصالية للنظام التونسي وللدور الذي يمكن ان يقوم به الاسلام السياسي في البناء الديمقراطي. وهو ما سيكون له تأثير مؤكد على المسار الديمقراطي في تونس. ومن المؤكد انه ليس من مصلحة الحركة الاسلامية في تونس الجري وراء الطرف الامريكي، وليس هناك على كل حال ما يدل على ذلك. فقد أصبح من المعروف ان الامريكيين لا يحترمون الا الاطراف القوية، ولن يدفع الامريكيين الى الاقرار بالدور الاساسي الذي يجب ان تلعبه الحركة او الحركات الاسلامية في تونس الا ما تساويه على مستوى الدعم الشعبي. ولن تعترض حركة النهضة في هذا الشأن عواقب حقيقية فالالتزام الواضح للشعب التونسي بالاسلام والرصيد النضالي للحركة الاسلامية في الدفاع عن تعددية سياسية حقيقية والتمسك بمواقفها بالنسبة الى حياة اجتماعية كريمة والتصدي للهجمة الوحشية للبرنامج النيوليبرالي لأقطاب العولمة بالاضافة الى مواقفها المساندة لقضايا الامة في فلسطين والعراق ستشكل الشرايين الاساسية التي تصلها بهموم المواطنين.
إن الحركات الاسلامية المعتدلة بوصفها تعبيرا معينا عن الطموحات الوطنية والديمقراطية لشعوب المنطقة مثلها في ذلك مثل بقية القوى القومية واليسارية الوطنية التي لا تزال مخلصة للرغبات الاساسية لاجزاء هامة من الجمهور العربي، لن يكون من السهل على الولايات المتحدة تخطيها، سواء تواصل وجود مجموعة المحافظين الجدد على راس الادارة الامريكية ام لا. ولا يجب الامتناع عن رؤية افق ارحب بالنسبة للحركة الاسلامية التونسية بسبب النجاحات الامنية والسياسية المؤقتة التي حققها النظام التونسي. فديمقراطية تشمل طيفا واسعا من الفصائل والتيارات الاسلامية المؤمنة بالمبادئ الديمقراطية الاساسية او المتأثرة بطرحها إضافة الى بقية العائلات الفكرية والسياسية الوطنية التونسية هو واقع بصدد التشكل ولن تنجح بعض الرؤى الاستئصالية المعزولة في ايقافه.
فكم كان عدد المؤمنين باستقلال وطني لشعوب مجزأة وفقيرة وقليلة التجربة من حيث العمل السياسي باشكاله المعاصرة سنوات قليلة قبل تحقيق هذا الاستقلال؟ حتى ان الموقف السياسي الداعي للاستقلال لم يتبلور على مستوى قيادات الحركات الوطنية في الاقطار العربية المختلفة سوى سنوات قليلة قبل تحقيقه. لقد كان ذلك ممكنا بالرغم من كل المحاولات اليائسة للانظمة الاستعمارية البائدة لسبب اساسي: الحاجة الموضوعية للاستقلال والتي تجسدت في الالتزام السياسي العنيد لاوساط شعبية واسعة لاجل تحقيقه. نحن الان من الناحية الموضوعية في مرحلة مماثلة، تستلزم تحولا مهما مماثلا لتحول الاستقلال السياسي وبناء الدولة الوطنية: مرحلة دمقرطة الدولة الوطنية. وهو الامر الذي يكرس طابعها الوطني اكثر مما مضى واكثر من اية شعارات براقة. وبالتالي لا تعني الحاجة لدمقرطة الانظمة العربية التخلي عن إنجاز الدولة الوطنية، فمن الضروري التصدي لأطروحات الاتباع الجدد للمحافظين الجدد من نخبنا العربية، والذين يعتبرون عودة الاحتلال العسكري خطوة الى الامام "إن كانت ستأتي بالديمقراطية" كأن فاقد الشيء يمكن ان يعطيه... كأن واقع الاحتلال الذي يعني عمليا نقض الدولة الوطنية - ذلك الاساس الضروري لقيام البناء الديمقراطي - قادر على إفراز مجتمع ديمقراطي.
وسواء كان الامر متعلقا بالدفاع عن سيادتنا الوطنية او دمقرطة الدولة الوطنية، فإن الحركة الاسلامية التونسية والعربية بشكل عام ستلعب كعادتها نفس الدور الفعال والقوي... اما ماذا ستقرره الادارة الامريكية حيال مشاركتها في البناء الديمقراطي فسيبقى دائما امرا ثانويا. فستربح الولايات المتحدة صداقة دول عربية ثابتة ومنيعة بجميع قواها السياسية الحية اذا قبلت التعامل معنا بعقلية تقبل بالتعاون وبالحلول السلمية وتنبذ العدوان بما في ذلك الاسرائيلي وتؤمن بالمصلحة الدولية لقيام انظمة ديمقراطية فعلية عبر انحاء العالم. أما إذا حملت عواصف الغرور والصلف بعقول امريكية اكثر نحو العتمة الدوغمائية التي يقبع في اعماقها المحافظون الجدد، فليس امام الاسلاميين وبقية القوى الوطنية سوى خيار واحد: عدم التزحزح لشبر واحد عما يجعلهم يمثلون المطامح الموضوعية والمشروعة لشعوبهم. وفي الحالتين فإن الحركات الاسلامية وبقية القوى الوطنية هي اصلا بصدد المشاركة في الدفاع عن السيادة الوطنية والبناء الديمقراطي... من دون انتظار إذن اي كان.
الهـوامش
[1] http://www.pbs.org/wgbh/pages/frontline/shows/truth/stake/feldman.html[2]http://www.cia.gov/nic/PDF_GIF_2020_Support/2003_12_08_papers/dec8_middleeast.doc [3] Los Angeles Times. January 26, 1992. U.S. Struggles to Deal With Global Islamic Resurgence Policy: The dilemma: How to promote democracy without encouraging new fundamentalist states? ROBIN WRIGHT; TIMES STAFF WRITER. Foreign Desk.[4] Feldman, N. After Jihad. America and the Struggle for an Islamic Democracy. New York: 2003: 3-16.5] St. Petersburg Times. July 5, 1994. Sheik's invitation to speak at USF stirs up battle. CHARLES HOSKINSON[6] Marshall Breger “How Arabs Fight Islamism: A Letter from Tunis” The National Interest Fall 2003.[7] http://www.pbs.org/newshour/bb/terrorism/july-dec01/arabviews_9-21.html [8]Fuller, G. “Islam, a Force for Change” Le Monde Diplomatique September 1999; Fuller, G. “The Future of Political Islam” Foreign Affairs Vol. 81 March/April 2002. [9] Robert H. Pelletreau, Jr. “Not Every Fundamentalist Is a Terrorist” The Middle East Quarterly September 1995.
“Middle East Quarterly: Do such pragmatic elements really exist? Many anti-fundamentalist Muslims emphatically deny their existence. For example, President Zine al Abidine Ben Ali of Tunisia points out that the "final aim" of all fundamentalists is the same: "the construction of a totalitarian, theocratic state."Osman Bencherif, Algeria's ambassador to the United States, says that "it is misguided policy to distinguish between moderate and extremist fundamentalists. The goal of all is the same: to construct a pure Islamic state, which is bound to be a theocracy and totalitarian." Are they wrong?
Pelletreau: They've made these statements from a political point of view based on where each of them sit and what each's political objectives are. President Ben Ali is concerned about instability in a neighboring state's flowing over and affecting the stability of Tunisia; and he sees an ever more radicalized and violent Islamic movement as the primary source of that instability. The Algerian ambassador represents his government and his government's point of view; his is also a political statement. Neither of their statements purports to be the result of an objective, academic analysis of the Islamic phenomenon across the board; rather, these reflect how each of them from his specific perspective sees one aspect of a larger whole.”
[10] Rupert, James. “Tunisia: Testing America’s Third World Diplomacy” World Policy Journal Vol. IV (Winter 1986-87).[11] Feldman, N. After Jihad…: 51. [12] Ibid. 182. [13] http://www.bostonreview.net/BR28.2/feldman.html; http://www.theglobalist.com/DBWeb/StoryId.aspx?StoryId=3603; [14] New York Times. February 25, 2000. A Rogue Worth Knowing. Thomas Friedman; http://www.pbs.org/newshour/bb/foreign_correspondence/jan-june02/friedman_6-20.html[15] http://www.cfr.org/background/africa_terror.php
(*) كاتب وباحث تونسي يقيم في الولايات المتحدة