Saturday, January 28, 2006

رسالة مفتوحة الى قيادة حركة حماس: في الشروط الاستراتيجية للمرحلة الجديدة

Middle East Online

بقلم: الطاهر الأسود
ينبغي عدم الوقوع في منزلق الاعتقاد بان الاعتدال خيانة وطنية، ويجب الحرص على اتزان نموذجي بين الجاذبية الدينية المؤثرة بشكل متزايد عربيا ورؤية براغماتية لا تنسى أنها تعيش في عالم معقد.
ميدل ايست اونلاينالسادة أعضاء المكتب السياسي وقيادة الداخل وأعضاء قائمة التغيير والاصلاح من حركة المقاومة الاسلامية. ليس هناك من شك أن كثافة التنسيق الراهن حول ما طرأ على الوضع السياسي الجديد لن تترك مجالا كبيرا لقراءة مقالات الرأي أو الاستماع لنصائح عابرة للقارات. ولكننا نشعر بحاجة كبيرة لإبداء بعض الملاحظات المتعلقة بالمسائل الاستراتيجية والتي ستحتاجكم في كل الأحوال بعض الوقت للتشاور والتأمل حتى يتم تعديلها، وهو ما نعتقد أنه أصبح متوقعا وضروريا في الظرف الراهن، بعكس الجانب الاداري والحكومي والذي يحتاج الحسم الفوري. وفي هذا الاطار نأمل أن تجد هذه الملاحظات، التي تتعلق بالجانب الاستراتيجي، طريقها الى أصحاب القرار من قيادات وكوادر الحركة.
فلسطين القضية المركزية العربية... في "الاصلاح"
اعتاد الخطاب العربي طوال السنين الماضية على ترديد مسألة محورية وهي اعتبار القضية الفلسطينية بمثابة القضية المركزية للأمة العربية والاسلامية. ولكن الترديد المستمر لهذه الرؤية نزع عنها طابعها الواقعي والممكن (مثلا عندما كانت مصر وسوريا في مواجهة عسكرية ليس فقط لتحرير أراضيهما بل لتحرير فلسطين) الى طابع شعاراتي كان يغطي على واقع متزايد يشير الى تحمل متزايد الشعب الفلسطيني لمسؤوليته التاريخية المباشرة وهو ما حدث تحديدا منذ سنة 1965 ثم وبشكل حاسم منذ انتفاضة 1987. وبالرغم من شرعية القول بالطابع المركزي الذي يحتله الهم الفلسطيني لدى المواطن العربي وهو ما ينعكس خاصة كلما حاولت الأنظمة العربية الانخراط في التطبيع مع اسرائيل فإنه يمكن القول أن المحدد الرئيسي لمصير الشعب الفلسطيني هو واقعيا بين أيدي هذا الشعب وليس بين أيدي أنظمة عربية واسلامية تتبنى قضيته كما حدث في مرحلة من المراحل.
مقابل ذلك فنعتقد أن الوضع الفلسطيني قج أصبح يحمل بشكل سريع ومتزايد وزرا جديدا ليس له علاقة حصرية بالمواجهة مع اسرائيل. يتعلق ذلك بأن العملية السياسية الداخلية الفلسطينية قد تحولت عمليا الى نموذج عربي في الاصلاح لا يقبل المقارنة مع أي من الأقطار الحربية "المحررة" و"المستقلة". إن المرحلة الفلسطينية الجديدة هي جديدة عربية الى حد يمكن اعتبارها مدخلا لمرحلة عربية جديدة. هذا فقط للتأكيد على الأهمية التاريخية لما جرى والذي يتلخص في التالي: إن الظرف الجديد هو ظرف غير مسبوق، فلأول مرة في التاريخ العربي تحدث انتخابات تشريعية حرة بحق ويصعد الى الحكم التيار الذي يحصل على أكثرية أصوات الناخبين. وبعكس التجربة الجزائرية المبتورة فإن الحدث الفلسطيني يتم في إطار من الهدوء والمسؤوليتين الكاملتين بالرغم (و ربما أيضا بـ"فضل") تهديد الاحتلال الاسرائيلي. إن شكل تسيير حماس للحكومة المقبلة ليس له علاقة بحسابات داخلية فلسطينية فحسب بل له ايضا علاقة قوية بوضع عربي جديد، ومن ثمة ما سيحدث في فلسطين في علاقة بمسيرة الدمقرطة سيؤثر بشكل كبير على ما سيحدث في الباقي العربي.
حماس كنموذج للتيار الاسلامي المعتدل
كنا حاججنا على امتداد السنتين الأخيرتين أن تيارا أساسيا من النيومحافظين على قناعة بدعم انفتاح العملية السياسية العربية على التيار الاسلامي المعتدل، ومنه حركة حماس. وهو بالمناسبة، ولكي نتجاوز اللغط الذي يحاول تفسير "الاعتدال" هنا بالخيانة الوطنية، التيار الذي لا يرغب ولا يعمل على فرض أجندة إسلامية أحادية الرؤية على المجتمع العربي حتى ولو وصل الى السلطة وهو بذلك التيار الذي يقبل التوافق على عملية سياسية داخلية تحترم التناوب والتعددية. وهذا التيار معتدل بعكس الأجندة القاعدية التي تروج للحروب الأهلية و"الاصلاح بالسيف" كما يحاجج منظرها الرئيسي السيد أيمن الظواهري. إن حركة حماس، ومثلها في ذلك حركة حزب الله، من التنظيمات العربية النادرة التي حافظت على اتزان نموذجي بين الجاذبية الدينية المؤثرة بشكل متزايد عربيا ورؤية براغماتية لا تنسى أنها تعيش في عالم معقد يتجاوز حدود جدالات فقهية من القرون السابقة. بالاضافة الى كل ذلك تتصدر حماس، وأيضا حزب الله، صدارة المقاومة الوطنية عربيا وهي في هذا المجال ليست معتدلة إلا بالقدر الذي يجعل العمل المسلح أداة واقعية تفهم السقف السياسي لعملية التحرير بعكس الأطراق القاعدية التي لا ترى في السقف السياسي لعملية التحرر الوطني سوى زندقة وخروجا عن مبادئ الاسلام. ولا يحتاج الأمر الى تحليل طويل لفهم الأهمية الخاصة في الظروف العربية والدولية الراهنة الى اقتران أجندة وطنية، لا يمكن المزايدة عليها من قبل أي طرف، بأجندة داخلية تستهدف الاصلاح. حيث أصبح بعض المخاتلين والمتجمدين في قوالب قديمة يبررون ترددهم في الانخراط في قضايا الداخل بحجة اقتران شعارات الاصلاح بالأجندة الأمريكية. لا يمكن لهؤلاء تقديم الدروس لحركة حماس في مسألة الاصلاح الداخلي ولا تحتاج الأخيرة الى الاستماع الى نحيب هؤلاء الذي سيتركز على "خطأ" حركة حماس في خوض الاتخابات وبأن ما حصل هو "فخ أمريكي". فهؤلاء يعشيون الآن خارج التاريخ حتى لو كانت نواياهم الوطنية طيبة.
في الموقف الأمريكي: "الديمقراطية أم السلام؟"
كنا قد بينا في أكثر من مرة (أنظر مثلا: "التيار الاسلامي المعتدل في مواجهة اختبارات الحوار الأمريكي وتحديات التيار القاعدي" القدس العربي 27 و28 تشرين الأول/اكتوبر 2005) أن هناك أطرافا مؤثرة في الادارة الأمريكية (و ليس صحفيين أو مسؤولين سابقين بعيدين عن مواقع القرار) تدفع باتجاه التعامل مع حركة حماس كطرف فلسطيني لا يمثل "تهديدا وجوديا" للولايات المتحدة ومن ثمة يجب التفاهم معه واشراكه في العملية السياسية. وقد كان تنظيم محادثات القاهرة من قبل النظام المصري المدخل الأمريكي العملي للتهيئة لذلك. وبعيدا عن ترديد الرئيس بوش للجمل المعتادة حول أن الحركة "ارهابية" والتي ركزت عليها وسائل الاعلام فإن قراءة جيدة لتصريحاته تؤدي بنا الى جملة محورية حيث أكد على أن "الديمقراطية في الشرق الأوسط هي طريق السلام" وهو ما يعني بشكل واضح أنه مهما كانت الأطراف التي ستصل الى السلطة السياسية فإن ذلك رئيسي على التقدم في عملية السلام. والجميع يعرف الآن أن الرئيس محمود عباس لم يكن ليصر على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في محادثات القاهرة وخاصة إجرائها بحميع قوى المقاومة (بما في ذك حماس) وبنزاهة وهدوء وفي جميع المناطق الفلسطينية المحتلة سنة 1967 بما في ذلك القدس الشرقية لولا دعم الادارة الأمريكية العملي (وليس الكلامي) لذلك. طبعا هذا بالإضافة لضغط الشارع الفلسطيني بما في ذلك الشارع الفتحاوي الذي سئم من القيادة الحالية.
إن هناك الآن في الأوساط السياسية والاعلامية الأمريكية تيارا قويا يضغط على الرئيس بوش ويحذره من "الانعكاسات السلبية" لعملية الدمقرطة في المنطقة العربية. ويطرح هؤلاء بكل قوة سؤال "الديمقراطية أم السلام؟" للتشكيك في خيارات الادارة الأمريكية. ويمثل هذا التيار رؤية "الحالة الثابتة" (status quo) والذين لا يمكن وصفهم بأي حال كمؤيدين للتغيير عربيا سواء في التحرر من الاحتلال أو التحرر من الاستبداد. وليس من المضمون أن لا يؤثر هؤلاء في موقف الادارة خاصة إذا تعاونوا مع طرف من داخل النيومحافظين يعمل بتنسيق كبير مع القيادات الليكودية ويرفض الاعتراف بحماس جملة وتفصيلا ويلوم الولايات المتحدة على موافقتها على مشاركة حماس في الانتخابات (التصريحات المتكررة لنتنياهو). إن التجاوب مع الاستعداد الامريكي الراهن للتفاوض مع الحركة (و الذي لا يجب أن يكون معلنا في هذه المرحلة) هو أمر أساسي للدفع بالظروف الدولية بشكل متزايد للتغيير. ومنا هو معروف الآن فإن الطرف الأوروبي لا يفعل شيئا يكون في تناقض مع الارادة الأمريكية (للأسف طبعا ولكن ذلك هو واقع الحال) وبالتالي فلا يجب التوهم بأنه من الممكن تعويض الأمريكيين بالأوروبيين. يجب التفاوض مع الطرفين عبر قنوات سرية وليس مع الطرف الأوروبي فحسب. وكما لمح بعض قيادات الحركة (مرشح حماس في رام الله د. محمود الرمحي) في حلقة الرأي الآخر (الجزيرة 27 كانون الثاني 2005) فإن هناك أصلا مفاوضات غير معلنة مع أطراف رسمية (و ليس غير رسمية) في الاتحاد الأوروبي. ونتوقع أن يبادر الأمريكيون الى مفاوضات مماثلة (إن لم يفعلوا أصلا) في وقت قريب جدا.
تغييرات استراتيجية ضرورية تجاه الشروط الجديدة
وهكذا في ظل هذه الشروط الموضوعية الجديدة والمتمثلة مرة أخرى في: المسؤولية التاريخية في تحقيق الاصلاح والتي تتجاوز الوضع الفلسطيني لتخص الوضع العربي عامة، والمسؤولية تجاه باقي الأطراف الاسلامية المعتدلة والتي أصبح من البين أنها ستكون رافعة أساسية للاصلاح السياسي عربيا، وفي ظل فرصة تاريخية دوليا تتمثل في قناعة أكبر قوة دولية في رئيسية مسألة الاصلاح السياسي ومن ثمة الاعتراف بدور القوى الوطنية في عملية الاصلاح، فإن حركة حماس ستكون في مواجهة سلسلة من التغييرات الاستراتيجية التي يمكن من خلالها التفاعل إيجابيا مع مثل هذه المستجدات.
لقد سطر الشيخ أحمد ياسين مبادئ أساسية لهذه التغييرات منذ سنة 1997 وأكد عليها مرة أخرى سنة 2002. ومن ضمنها إقامة دولة في إطار حدود سنة 1967 بما في ذلك عاصمة في القدس الشريف مقابل هدنة لعشرة أو عشرين سنة تقرر تجديدها الأجيال القادمة. والحقيقة يمكن التعامل مع هذه المبادئ ليس كشروط نهائية بل كرؤية تقبل للتعديل في ظل الظروف الراهنة وهو ما كان سيقوم به الشيخ ياسين والمعروف ببراغماتيته في حالة لم يتعرض للاغتيال ومازال بيننا. ونعتقد أن أهم التعديلات والتفاصيل يمكن أن تكون في شكل مبادرة استراتيجية للحركة تتمثل في الخطوات التالية:
أولا، في علاقة بالحل الدائم القضية الفلسطينية. يتم التعبير الصريح والمعلن عن الموافقة على القرار 242 (وهو الاطار الدولي لموقف قيام الدولة على أراضي سنة 1967) مقابل الحفاظ بشكل دقيق على حق الاستمرار في المقاومة في حالة رفضت اسرائيل للقبول الرسمي والكامل وبدون أي تعديلات على هذا القرار. وفي هذا الاطار يتم التمسك بالقرارات الدولية في علاقة بحق عودة اللاجئين. ويمكن في هذا الإطار أيضا الاعلان رسميا عن القبول بالمبادرة السعودية كما تم التعبير عنها في القمتين العربيتين الأخيرتين كأساس للتفاوض حول الحل الدائم. ومن الضروري هنا تعديل ميثاق حركة حماس على هذا الأساس.
ثانيا، يتم إعلان هدنة غير محددة (لا بعشرة ولا بعشرين سنة) وغير مقيدة لحق رد الاعتداء. والهدنة غير المحددة أفضل اجراء واقعي لأنه من جهة لا تكبل زمنيا الأجيال القادمة من إنهائها في حالة انتهى اختلال موازين القوى الراهن ومن جهة أخرى توفر اطمئنانا لدى الاطراف الدولية بأن الهدنة "غير مؤقتة" زمنيا وهي بالتالي مفتوحة. والهدنة غير مقيدة لحق رد الاعتداء نقطة مهمة كما تبين من الهدنة الراهنة حيث تمنح لقوى المقاومة حق الرد الشرعي بشكل مضبوط ومحدد عل أي اعتداء اسرائيلي محتمل. وفي جميع الأوال يمكن اعتماد تسمية مغايرة لمرحلة الهدنة مثل "اتفاقية عدم اعتداء" أو "اتفاق لوقف إطلاق النار" وهناك أمثلة في القانون الدولي على الطابع العملي والممكن لهذه الصيغة (التفاق المتواصل لأكثر من أربعين سنة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية)، وهي صيغة لا تمنع إقامة علاقات دبلوماسية أو غيرها.
ثالثا، اعتماد قرار استراتيجي يقضي بالاستعداد للتفاوض المباشر مع اسرائيل. إن الدعوات الراهنة التي تدفع في اتجاه ترك هذه المهمة للقيادات القديمة من حركة فتح هي خاطئة. لسبب رئيسي: أن هذه القيادات كانت تفاوض بأسلوب خاطئ يعتمد التنازل على حق المقاومة. إن فشل أسلوب الرئيس عرفات لا يرجع الى اعتماد التفاوض بل الى التفاوض بأسلوب خاطئ يرمي أكثر ما يلزم من الأوراق ولا يكشر بما فيه الكفاية عن أنيابه. وهو الأسلوب الذي تفطن الى خطئه الرئيس الفلسطيني قبل وفاته بسنوات قليلة بعدما فهم أن الأسلوب الاسرائيلي لم يتخل ولو للحظة عن أسلوب اعتماد القوة والعنف وبالتالي فرض حلول غير عادلة. مرة أخرى إن المشكلة ليست في التفاوض بل في كيفية وأسلوب ذلك التفاوض. وهنا يجب أن تلعب قيادات الحركة ذات الخبرة والعلاقات على المستوى الدولي وخاصة التي لها علاقات خبرة مع الولايات المتحدة (مثل السيد موسى أبو مرزوق) بدور طليعي في توفير وجوه جديدة من الحركة تمسك بهذا الملف.
رابعا، يقع دعوة كافة قوى الرفض التي عارضت اتفاقيات أوسلو للعودة للأراضي الفلسطينية المحررة. ويتم إعلان ميثاق شرف للمقاومة (بحميع فصائلها بدون استثناء) يضبط مسألة العمل المسلح ضمن قيادة عسكرية واضحة المعالم تكون نواة لقيادة الأركان المسلحة للدولة الفلسطينية القادمة. وهكذا يتم التفكير جديا في إيجاد إطار وسط يقع ضمنه رسكلة الأجنحة المسلحة للمقاومة كنواة للجيش الفلسطيني الرسمي. وهنا من الضروري تخصيص الجهد اللازم لضمان التعاون مع الأجنحة التي لازالت ترفض العملية السياسية كما هي الآن (سرايا القدس—الجهاد الاسلامي) أو التي لا تتميز بانضباط تنظيمي واضح (كتائب شهداء الأقصى—حركة فتح) وهذه خطوة أساسية لضمان الانسجام في العمل المسلح وهو في ذاته مطلب دولي أساسي عجزت عن توفيره حركة فتح. وفي هذا الاطار من الخطأ الاستمرار في تسليم الأمن الداخلي للقيادات الأمنية الحالية لأنها في كثير من الأحوال معينة على أساس الولاء لحركة فتح. ومن دون الدخول في حركة تصفيات شاملة من الضروري اعتماد المهنية والوطنية في اختيار القيادات الأمنية وهو ما لا يمنع وجود قيادات تتبع لحركة فتح ولكن لا يمكن قصر الجانب الأمني على هذه الأخيرة. فإنهاء إستفراد فتح بالسلطة السياسية يعني فيما يعني إتهاء إستفرادها بالسلطة الأمنية.
خامسا، إيجاد صيغة للجنة دائمة تضمن استمرار صيغة محادثات القاهرة. هذا في حالة عدم التوصل لصيغة إعادة تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية. ومسألة إعادة التأسيس لا يجب أن تكون مشروطة بالقبول بالميثاق الحالي ولكنها لا يمكن أيضا أن تكون الرجوع الى الميثاق القديم للمنظمة. إن الأمر المهم أنه لا يجب التخلي عن روح و أساس محادثات القاهرة والمتمثلة في وعي قوى المقاومة بدون استثناء بأن "المصلحة الفلسطينية العليا" فوق الجميع ويمكن أن تقضي باعتماد المواجهة السياسية وليس العمل المسلح وحده وحتى ضبطه واستعماله بشكل مسؤول إن لزم الأمر.
هذه نقاط أولية نعتقد أنها أساسية في الانخراط بشكل إيجابي في المجتمع الدولي بلا إفراط في القبول بشروط الآخر وبلا تفريط في الحقوق الوطنية. والأجيال القادمة ستنظر الى هذه المرحلة التاريخية (و من ثمة ما تقوم به حركة حماس) كمرحلة مفصلية في التاريخ العربي المعاصر.
الطاهر الأسود
باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالية

">Link

Link

Monday, January 23, 2006

ملاحظة من قبل منتصر حمادة حول الطاهر الأسود

ما يلي ملاحظة من قبل الكاتب المغربي منتصر حمادة حول كتاباتي خلال تعليقه على مؤلف مغربي حول "المحافظين الجدد"، يقول
يحيى اليحياوي قارئا الإعلام العربي "للمحافظين الجدد"
في نقد ممارسات تحتقر حضارات قبل أن تحتقر الديموقراطية

في معرض استعراض أهم خطوط كتاب "عولمة الثقافة وكونية الاتصال" للباحث المغربي يحيى اليحياوي، أشرنا على صفحات "الصحراء المغربية" إلى استحالة توقع تحرير اليحياوي " لقراءات نقدية أو تأملية في جديد شعر محمود درويش أو تفكيك ماهية الوجود عند مارتن هيدغر، بقدر ما نتوقع منه الاجتهاد مجددا في نقد مآزق العولمة والاتصال"، وذلك بحكم تراكم "سلسلة من المساهمات مختلفة المسارات والاجتهادات متعددة الأوجه التي غالبا ما تبلغ حد التنظير والتي قدمها لنا فيما يتعدى العشرين كتابا فضلا عن ثلة من المقالات والدراسات المنشورة في الفترة الممتدة ما بين 1989 و2004 باللغتين العربية والفرنسية".
............إذا كان الأمر كذلك، فما الذي يدفع اليحياوي لأن يصدر كتابا يحمل عنوان "احتقار الديمقراطية"، حيث نقرأ مثلا دراسات حول "عولمة القيم" و"صراع الحضارات" و"طبيعة السياسات الأمريكية" وقراءة نقدية في ممارسات "المحافظين الجدد"، وغيرها من العناوين التي تصب تحديدا في التداعيات اللصيقة بإيحاء عنوان ملفت جاء كالتالي: "احتقار الديمقراطية: دراسات في آليات الاستبداد الجديد" (صدر الكتاب عن منشورات عكاظ. الرباط. الطبعة الأولى 2005).
........................
.
ننهي هذا العرض بالذي يجمع بين عنوان الكتاب وما جاء في تمهيد هذه القراءة، ونتحدث أساسا عن منظومة "احتقار الديموقراطية"، من خلال التوقف عند دراسة مستقلة في الكتاب، ولو أنها تحمل عنوانه في آن، تشتغل على تيار "المحافظين الجدد"، وقد بدا لنا كما لو أننا نقرأ للباحث التونسي الطاهر الأسود، الذي يعتبر برأينا أبرز باحث عربي متخصص في موضوع "المحافظين الجدد"، وهذه من حسنات هذا العمل، تماما أننا نجد من حسناته الأخرى كون الحديث عن "احتقار الديموقراطية"، يذكرنا بعنوان أحد مؤلفات المفكر الأمريكي الألمعي نعوم تشومسكي وجاء كالتالي: "ردع الديمقراطية".
جريدة "الصحراء المغربية", 2 أكتوبر 2005 (قراءة: منتصر حمادة)


http://www.elyahyaoui.org/yahyaoui-ihtikar_hamada.htm
">Link
Link

Friday, January 20, 2006

On the Parliamentary Elections in Egypt

By Taher Laswad (*)November 2005
Throughout these coming weeks an historic event will be unfolding in Egypt. The parliamentary elections disputed in three phases, which do not implement usually any serious impact on the political structure due to both the legal and illegal policies of the regime, are for the first time in a long stigmatized political history bringing widespread hopes of a serious breakthrough in the nature of opposition to the regime: instead of the usually disconnected efforts of weakened and isolated forces of opposition the Egyptian political landscape has been radicalized with the announcement of a front of opposition coordinating the opposition efforts in the legislative elections. Moreover the current electoral campaigns have shown a wider space for dissent, which is manifested through the anti-regime’s marches in popular streets, unusually left without any harm by the security forces.
Various reasons are behind this developing situation, which was certainly unexpected only a year ago. One of the obvious reasons is the serious pressure by the US administration on the regime to embrace some democratic reforms. But as some of the White House’s most influential sources in strategic affairs are beginning to argue, especially after the deterioration of the administration’s plans in Iraq, countries in the Middle East that are characterized as “friends” of the US should be “encouraged” rather than violently pressured towards political reforms. For instance Charles Krauthammer has argued in a recent article promoting a “more mature Neoconservatism” (Commentary July/August 2005), such friends, namely Egypt, Saudi Arabia, and Pakistan, are very valuable in the combat against the “existential threat” posed by al Qaeda, which makes the need for a democratization process secondary in the priorities of the US regional agenda. Still this is does not mean any qualitative change in the new strategy of the White House. It is rather an indication of a quantitative reduction in the amount of the pressure that has been already applied to such “friends”.
What is more interesting is that the reduction in the intensity of external factors has encouraged a serious regional interest in the liberal agenda. The major political forces of opposition in Egypt, which promote a strong patriotic discourse fueling their popular appeal, are understandably weary of foreign intrusion. And if they would not mind any political anomalies between a distrusted regime and the White House, they would never tend, or especially appear to be, the agents of a foreign agenda. Meanwhile as much as the US policy that is encouraging political reforms maintains a low profile a wider spectrum of more influential forces is getting into the process of seriously embracing a liberal agenda promoting structural changes in the political system towards democratization. Added to that, the political decisions taken by the Egyptian regime with regards to its future have introduced more reasons that have helped to create an unprecedented political front of opposition. Regardless of the technical outcome of these elections one thing is sure: from this point on the nature of the opposition will never be the same. This is a major key to any democratic changes not only in Egypt but also across the region.
The regime’s unsuccessful presidential elections
When recently Moustafa Hussein and Ahmad Rajab, the first a caricaturist and the second a political critic who co-author illustrated satires in the “national” (i.e. governmental) Egyptian newspaper Al-Akhbar, started to take on the stiff image of Egyptian president Hosni Mubarek many were stunned and wondered whether the president himself was behind the move. The fact is there is a new political era that has started in Egypt though it would take some time to be widely recognized. Until then conspirational explanations might prevail.
Even though the electoral outcome of the last presidential elections in Egypt was obvious most indications pointed to, and still point to, the unprecedented openness of the political debate, which was allowed thanks to the very happening of the elections. The excessive imposed restrictions on the conditions of presidential candidacy, which greatly narrowed down the chances of democratically deposing Mr. Mubarek, did not prevent the independent newspapers and most of the Egyptian opposition to take profit and create a serious context of political dissent that touched on regular citizens. It was not even necessary for the opposition forces to be officially part of the presidential elections to engage in the political intensity that surfaced on the verge of the electoral campaign. The few opposition candidates were just a small entity among the groups that led this preliminary political “unrest”. Actually it could be that one of the major mistakes of presidential candidates such as the pretentious Aymen Nour is a false belief that the presidential and not the parliamentary elections are the serious bid in this new political season.
If the technical outcome of the presidential elections was the reelection of Mr. Mubarek its most serious outcome is its political repercussions. On one hand the governing party and the dominant forces of the regime (including the apparent forces in the army) decided to make of the elections an opportunity to introduce the fact that their next presidential candidate is Mr. Jamal Mubarek, the president’s son, which seemed like a platform of their political “future” that is their version of a “post-Mubarek” era. On the other hand the opposition found itself due to the circumstances, partly engineered by the regime itself, in one bench promoting exactly the prevention of a ridiculous “Mubarkian post-Mubarek” alternative. In other words the regime’s insistence on the highly contested subject of promoting a provocative and shockingly “presidential heir” rather than a less blunt undemocratic transfer of power (by promoting one of the members of the old guard like Arm Sulayman as was widely believed two years ago) has created a context where the regime’s life expectancy is becoming less and less longer because simply the stakes that it has set for its political agenda are too high to be appropriately met in either the long or the short terms.
An effective patriotic front promoting democratic changes
The much helpless energy spent by an increasingly less-confident regime to make the presidential elections politically successful, in addition to the contested restrictions being imposed on them, are all factors that have helped create an unexpected situation only a year ago: the serious chances that a strong opposition would have to at least stand for the first time unified against the total dominance the governing party has had on the marginalized legislative institution.
The regime’s imposed platform pushed in effect for both an apparent need and an opportunity of an unprecedented united front of opposition. Such a development, however, was inconceivable without the accumulation of the political investments made by new organizations during the recent months. While until very recently the legal-traditional parties, notably al-Wafd (Liberal), al-Arabi al-Nasiri (Pan-Arab), and al-Tajammu’ (Leftist), were struggling, though without success, to come up with some basic platform so that they can matter electorally, it took only few months in this new political context to create an effective front of opposition.
This historic political event was the apogee of various political initiatives that were strongly characterized by cross-ideological and multi-organizational aspirations. The first is obviously the now well renowned movement of Kifaya, which was a successful political frame that included illegal and usually marginalized political elites. Its most striking aspect is the preliminary demonstration of a possible liberal platform that can bring together ideological tendencies such as Islamism, Pan-Arabism, and the Left, in a simple and practical, sometimes even innovative, forms of protest that introduced the political liberal aspirations into the open streets.
The inclusion in Kifaya of the Islamists, who represent the political and ideological pattern that still have the strongest popular appeal, included them into a politically liberal agenda, which was particularly a breakthrough that will have very quick and profound repercussions. Besides, and from the beginning, such a liberal framework was based on a very strong patriotic sense that defended the need for both a strong Egyptian patriotic sense and a wider Pan-Arab interest that reflected the strong commitment of regular citizens to the support of the causes of occupied populations in Palestine and Iraq. These positions formed obviously a thick fence that prevented any attempts from the regime to discredit the movement as unpatriotic especially within the context of the increasing pro-democratic discourse of the US administration. This has proved that the intersection, which had failed for a long time, between the patriotic and the liberal discourses is actually possible. Eventually it caused many potentially popular forces to embrace such an agenda, and be politically effective for the first time in a long period.
By the beginning of this year and especially towards the summer two major political initiatives enunciated the new face of the opposition. The major political force of the opposition, the Muslims Brotherhood, usually cornered in a generic and religiously driven patriotic discourse, decided to engage into the political liberal project by engaging itself into street demonstrations that promoted democratic changes as its main concern. Shortly later, this initial step was taken further by announcing the foundation of the Patriotic Front for Change, which included, in addition to the Brotherhood, smaller forces, on a platform that promoted the urgency of democratic changes as its main political program.
Almost at the same time another interesting movement was formed. A group of Egyptian personalities originating mainly from pro-Nasserite milieus, including ex-officials in Nasser’s era side by side with a younger Nasserite generation, who announced the formation of the Patriotic Assembly for Democratic Change. Even though pro-Nasserite groups have always existed this new initiative has successfully brought together influential figures who have built through the years a moderate tendency, which made it influential even within the ranks of the regime and mainstream non-Islamists intellectuals. Two figures summarize such a movement: Aziz Sidqi, Nasser’s Prime Minister for some time and a widely trusted economic expert (with a PhD degree from Harvard), and Moustafa Bakri, an enthusiastic journalist who successfully engaged his newspaper (al-Usbu’) in anti-corruption battles throughout the recent years, but with good connections with some circles in the regime, which always provided him with useful sources from within. The Nasserite connection here is not only a reflection of a Pan-Arab agenda but it is also, and more importantly, a reflection of a certain trend within the bureaucracy of the regime that still looks with great nostalgia to Nasser’s era; in their eyes an era that definitely built the Egyptian nation-state with its large social and economic projects, which are still viable even in the current system (of which the nationalization of the Suez canal is only the most famous example). In fact such a trends provide a huge amount of the remaining legitimacy of the regime. The erosion from the ranks of the regime of groups like these through initiatives such as the Patriotic Assembly for Democratic Change should be seen as a major way to deconstruction of the authoritarian system as important as the street movements like Kifaya.
When Mr. Aziz Sidqi played a central role in the formation of the very new agreement few weeks ago between most of the opposition forces (including by the way the legal-traditional parties), which made an effective electoral platform possible, notably with the Muslims Brotherhood with their newly formed front on board, he showed how much influential the moderate Nasserites can be.
It is true that the agreement did not reach the form of a structured organization that would guarantee a continuity of the political momentum after the election. Still the decision of distributing the electoral districts among various political forces, which was particularly possible with the Brotherhood decision limiting their electoral presence to less than 160 districts, has laid the basis for a practical coordination that will implement trust and end an era of temporary “coordination” that has been for long based on good intentions usually apparent only on occasional statements.
If the moderate Nasserites proved that they are highly significant politically the Brotherhood has succeeded in breaching the general political embargo imposed on them. Not only the anti-Islamist forces like al-Tajammu’ found themselves isolated and weary of being left out of an effective front if they continue to oppose any form of coordination with the Brotherhood, a sign that anti-Islamism is being seen increasingly as anti-democratic, but also the regime itself is starting to send messages indicating its willingness to accept a serious political presence of moderate Islamists.
Meanwhile old anti-democratic groups such as old members of al-Jama’a al-Islamiyya and al-Jihad are participating in these elections with a new discourse approving the need for political reforms proving even more that the Islamist forces are increasingly moderate and embracing the democratic rules of government. The regeneration of local extremist forces that reject political liberalism as a religious apostate, which is the position of newly formed groups influenced by al Qaeda as was clear from the Sharm al-Shaykh attacks, is far less significant than the increasing rise of moderate Islamists. It is more and more apparent that Egyptians are developing a stronger political sense that terminates with a tradition that could not perceive political struggle without violent means. The very widespread belief in the pacification of political life in a system founded on a military coup and had witnessed various movements promoting military opposition should be viewed as one of the major signs that we are already in the process of democratization.
The Arabic significance of the parliamentary elections in Egypt
The neoconservative rosy plans that preceded the Iraq invasion preached a “wave of democratic change” scenario that will unfold as soon as an Iraqi democratization process would begin. We all know by now that if any “wave of change” scenario has been generated throughout the region from Iraq is both a reinforcement of anti-democratic forces like al Qaeda and its followers and the rise of anti-American sentiments on the basis of an increasing distrust of precisely the US intentions of establishing a democratic regime in Iraq. The recent Iraqi elections and referendum outcomes, which promoted unprecedented levels of religious and ethnic factionalism in addition to unpopular pro-American politicians, did not do more than solidify such widespread trends.
It is difficult, however, to downplay the strong effect that a spectacular fall of an Arab dictatorship has had on the minds of millions of Arabs. It is true that the sentiments were confused because of a combination of a refusal of a foreign shameful aggression on an Arab leader, whoever he was he still holds a high symbolic position, and an acceptance of the repercussions of an unjust system of government throughout the Arab world that usurped the basic political rights. Still the last part must have had an impact that made each Arab citizen look down at his own ruler.
The current intensification, however, of a democratization process could not be credited to the neoconservative adventure in Iraq. If there is a country that its developing situation should be now credited any special impact on the rest of the Arab world it would be Egypt, one of the closest regional “friends” of the US, a country that the White House did not plan in any consistent manner to push it towards democratization. In fact the war on Iraq has emphasized the strategic position that Egyptians believe their country holds in the national security of the region, which made the rise of Egyptian patriotic movements during and after the war an opportunity to materialize their right of political expression. These movements’ enthusiastic popular effervescence that increased due to the war (for example the phenomenal street demonstrations in Alexandria by the Muslims Brotherhood) has paved the way for the belief that they actually matter and that they would provide a proud alternative in face of the scary alternatives of foreign invasions even though the US has never planned to invade Egypt. It was a typical Pavlovian reflection to the occupation of Iraq by defending Egypt. This recalls another significant event which is partly similar to what is happening now: when the Egyptian army lost the battle in Palestine in 1948 it was overwhelmed by the feeling that the true problems lies in Egypt not elsewhere, which triggered Nasser’s military organization and the July 23, 1952 revolution afterwards.
President Nasser’s led revolution and its increasingly Pan-Arab regime had an enormous impact throughout the years on the Arab world. This with less variable conditions has established Egypt as the most influential regional power. Even the event of President Sadat’s controversial peace treaty with Israel did not prevent it up until this moment to be the major player in the official Arab system. This time, however, the most serious impact coming from Egypt to the Arab world might not come from the official levels but rather from the anti-official milieus that is the opposition front promoting democratic changes. With the fabulous immediate and more direct (visual rather than vocal) effect the Arab satellite TVs and internet interaction are introducing in every Arab house the impact of what is happening in Cairo streets will exceed by far the memories of Nasser’s influential voice during the 1950s and 1960s through the new tool of radio stations like the renowned Arab Voice (Sawt al-Arab).
Last summer when a new brand of the Jazeera Channels called al-Jazeera Live (something similar to the American C-Span) started transmitting to the whole region the anti-Mubarek speeches from the Egyptian electoral campaign and sometimes even Kifaya’s news conferences many Arab viewers were stunned and hardly believed their eyes. The discourse of dissent is no longer limited to isolated critics of invited guests that have to go to studios in Doha, London, or Paris to be able to say what they want. This is being said on the spot, in popular assemblies, and, better, with direct transmission. It is very hard even for the most pessimistic observers to suppose that these images will have very minor effects on the Arab streets.
(*) A Tunisian Researcher Living in North America
© aqlamonline 2005
">Link
http://www.aqlamonline.com/lassoued16.htm
Link

Wednesday, January 04, 2006

في النرجسية الايديولوجية من خلال نموذج عراقي

في النرجسية الايديولوجية من خلال نموذج عراقي
بقلم: الطاهر الأسود
استدامة التوهم في مركزية 'اليسار' في العالم ومسار التاريخ البشري
.
ميدل ايست اونلاين1

"الوهم" في تعريفه الكلاسيكي "من خطرات القلب" بمعنى تعارضه مع التوليد العقلاني والانسياق وراء ما نرغب أن يكون وليس ما هو فعلا كائن. و"التوهم" من الإيغال في طلب الوهم. وإذا كان فعل الوهم لاإرادي فإن فعل التوهم هو الجري وراء الوهم بشكل يجعله صنعة ضرورية. ويعكس صانع الوهم شعورا بنقص هائل في الواقع، وحاجة مفقودة، غير قابلة للتعويض الواقعي.
2
شعرت بكثير من الاحباط ولكن أيضا الألم وأنا أقرأ للسيد سمير عادل مقاله في صحيفة القدس العربي (4 كانون الثاني/يناير 2006) بعنوان "جماعات المقاومة المسلحة وأزمة الهوية". شعرت بالاحباط لأن المقال كان في بدايته محاولة طموحة لتقييم واقع وتاريخ تشكل جماعات المقاومة العراقية بشكل موضوعي لا يجاملها ولا يتواطأ مع سبب وجودها، الاحتلال الأمريكي، غير أنه تحول بشكل تدريجي الى إلغاء غير مبرر للـ"الصلوحية التاريخية" للطرفين القومي والإسلامي، لينتهي الى منح طهرية كاملة وأحادية للـ"اليسار" العراقي (كذا بتعميم يحيل الى كثير من الغموض) كـ"المخلص التاريخي" الوحيد الممكن في الوضع العراقي الراهن. وأخيرا قرأت تعريف الكاتب لنفسه في آخر المقال بوصفه "سكرتير مؤتمر حرية العراق" لأفهم أن السيد سمير عادل تصرف ليس كمحلل للوضع العراقي بل كجزء منه.
لا ألوم السيد عادل في التعبير عن رأيه الايديولوجي بما في ذلك حقه ككائن بشري عدا أنه عراقي في إسقاطه على الوضع العراقي. غير أني أشعر بالألم عندما أرى الى أي مدى يمكن للتوهم الايديولوجي وبالرغم من كل الوقائع ثقيلة الوطأة أن يستديم ويستمر في تصنيع نفسه. تُسمى الخاصية الأساسية هذه الحالة النفسية غير الاستثنائية "الانكار الكلي" (total denial). وإلا كيف نسمي تقديم "اليسار" كبديل لكافة التيارات لإنقاذ العراق كأنه تيار جديد لم يسبق تجريبه ولا يحتاج في ذاته الى التدبر والتساؤل عن مؤسساته الفكرية والايديولوجية؟ أو كأن هذا "اليسار" يلقى دعما شعبيا في مقابل بقية من التيارات الاسلامية والقومية "الهامشية"؟ كأن "السيار العراقي" لا ينقصه سوى البرنامج وكأن جاذبيته الشعبية تفوق الجميع ولا تنتظر سوى بعض المقالات من النوع التي كتبها السيد عادل؟ وكيف يمكن ألا نرى في ذلك إنكارا كليا للوقائع ومن ثمة توهما في حين أن السيد عادل يقدم الوضع كأنه وقع تجريب الجميع ولم يبق في العراق سوى هذا التيار "الجديد" و"اليافع" و"الطازج" الملقب بـ"اليسار" والذي وحده يمكن له انقاذ السفينة وتقديم "القائد الرمز" البديل كما أشار بدون تردد؟
3
ليس هناك شك أن للتيار القومي العربي في العراق، وأعني بذلك خاصة الطرف القومي الذي مارس الحكم أخيرا ولكن أيضا معارضيه القوميين، سقطاته الهائلة بما في ذلك تجرده من خصائص أساسية في برنامجه المركزي وتحديدا تفعيله المؤسسة القبلية التجزيئية عوض تفتيتها في الإطار القومي حيث أصبحت الأولى حصنا تنظيميا للولاء السياسي إما في ممارسة السلطة أو في معارضتها والانقلاب عليها. كما أن جزءا آخر من سقطاته تكمن تحديدا في ضبابية برنامجه الاستراتيجي تجاه قضايا حيوية منها تحديدا مسائل تقاسم الحكم والحريات السياسية الدنيا حيث بدت هذه قضايا "ثانوية" مما ساهم في إرساء نظام استبدادي متماسك. ولكن هل تمكن القراءة الموضوعية لكل ذلك دون الانتباه الى أن العملة الرائجة في الظرفية التاريخية المعنية هنا، أي النصف الثاني للقرن العشرين، كانت لغة "ثورية" شاملة لا تسمح بحق "التعددية الثورية" وبأن الجميع من التيارات القومية الى الاسلامية مرورا باليسارية مارست ما كانت تراه حلولها "الحاسمة" و"الضروري" بما في ذلك الاعدامات الجماعية والمحاكمات الغير دستورية والانقلاب العسكري و"تكفير" الدينيين واللادينيين لخصومهم السياسيين؟ هل يمكن لأي مراقب نزيه لمسار الصراع السياسي في العراق في الستين سنة الأخيرة إستثناء أحد هنا بما في ذلك "اليسار العراقي" بتمثلاته التاريخية المعروفة خاصة خلال حكم عبد الكريم قاسم؟ ليس "اليسار" في العراق "جديدا" أو "طازجا". هو أيضا تم تجريبه، وهو أيضا يحتاج لإعادة مسائلة ذاته (أو ذواته حيث لا يوجد "يسار" واحد في العراق).
ليس هناك شك، أيضا، في أن التيار الإسلامي في العراق كان دائما يمشي على أرضية شديدة الحساسية حيث لم يكن من السهل في العراق، وبعكس الكثير من الأقطار العربية والاسلامية، أن يوجد طرف إسلامي من دون أن يكون طائفيا خاصة من حيث كون الحركة الاسلامية العراقية كانت منذ البداية ذات جناحين واحد سني والآخر شيعي. وفي الوقت الذي استطاعت فيه حركات اسلامية في الأوضاع القليلة المشابهة للوضع العراقي، مثل الوضع اللبناني، في تمثيل الطائفة والمساهمة في تشكيل وفاق وطني ولو بعد كثير من الصراع والألم، فإن الحركات الاسلامية العراقية، بتنوعها المقاومة منها والموالية للاحتلال، ما زالت في مرحلة التجريب، حيث يجب الاعتراف هنا أنها تعيش بالكاد مرحلة انبعاث جديدة بعد مرحلة طويلة من العيش في المنافي والتهميش. ولكن في مقابل كل ذلك أليست مصادرة غير مبررة الانسياق الى وضعها جميعا في سلة واحدة؟ هل يمكن الآن وبعد كل التقارير والمؤشرات الميدانية المعروفة لكل مراقب للوضع العراقي الاعتقاد في أن كل الأطراف الاسلامية ليست لها هوية خاصة بمعزل عن الهوية القاعدية لجماعة الزرقاوي؟ يذكر السيد عادل تنديد الأطراف الاسلامية بالنوايا الطائفية المعلنة للقاعديين ليستنتج من ذلك أنه بالتحديد تعبير عن مأزق الهوية لديها. أي تحديدا الاستنتاج المعاكس لما يمكن لأي مراقب موضوعي استنتاجه: الوعي المتزايد لدى جزء كبير من المقاومة الاسلامية السنية بأن برنامجها يجب ألا يكون طائفيا ومن ثمة وعيها المتزايد بهوية وطنية ضرورية. ولكن لماذا يستنتج السيد عادل تحديدا استنتاجا غير ممكن عقليا؟ أليس لأنه ينطلق من مصادرة أساسية لا يمكن له أن يتنازل عنها وهي استحالة مساهمة الطائفة الواعية بذاتها (من خلال اختيارها لممثليها وكما نعرف فإن الأطراف "الطائفية" هي التي تلقى الدعم من أبناء طوائفها في العراق الراهن) في تشكيل وفاق وطني أدنى؟ ألا ينطلق تشكيك السيد عادل في الهوية الوطنية لبرنامج غالبية المقاومة من تشكيكه أصلا في أهمية الهوية الدينية والقومية في تشكيل مستقبل العراق؟ ألا يعكس ذلك إعتقادا "يساريا" (ماركسويا ربما التعبير الأصح) في الهامشية التاريخية للعوامل الدينية والقومية في التاريخ البشري؟ ولكن ما الفائدة في الاستمرار في إنكار الأهمية الكبيرة (كما تعكسها المؤشرات الواقعية) للعوامل الدينية والقومية في عراق اليوم؟ هل سيقدم ذلك الايغال في الانكار والمبني على دوافع ايديولوجية وليس على المعطيات الموضوعية، بالـ"اليسار العراقي" أي خطوة الى الأمام؟
إن الحقيقة الساطعة هي أن إنكار أهمية العوامل الدينية (خاصة) والقومية (تاليا) في العراق الراهن لا يؤدي إلا الى إلغاء فرص فهمه. ولا يمكن لأي فاعل سياسي جدي خاصة عندما يتعلق الأمر بـ"يسار عراقي" هامشي من حيث التأثير الشعبي النمو والمساهمة في تشكيل المستقبل في حالة اعتزل الوقائع وتشبث بمخيلته واستمر بكل نرجسية في تجميل وجهه أمام مرآته الخاصة. إن شعارات من نوع "مقاومة الرجعية الدينية" و"النضال التقدمي ضد الطائفيين" تخفي عنادا ايديولوجيا يستبعد أي رغبة في إعادة تفهم الظاهرة الإسلامية والدينية عموما في مجتمعنا العربي بما في ذلك العراق. كما أن الاستمرار في الاعتقاد بهامشية الظاهرة القومية في العراق سواء العربية أو الكردية إنما هو إمعان في تجاهل عامل حيوي وهو ما يؤدي الى تبسيط وضع عراقي في غاية التعقيد. وهكذا عوض تحقيق الهويتين الدينية والقومية بالشكل الذي يؤدي الى "إلغائهما" أو إلغاء طبيعتهما الإشكالية يتم استفزازهما من خلال مصادرتهما وبالتالي مصادرة حق المواطنين العراقيين في التمتع بحقوقهم الدينية والقومية وهو ما يؤدي الى النزاع الطائفي لا غير. إن توهم "اليسار العراقي" (أو تحديدا الفئة المجهرية منه التي يمثلها السيد عادل كـ"سكرتير مؤتمر حرية العراق") بأن القبعة "المارسييز" العمالية هي غطاء الرأس الأنسب للعراق وليس العمامة الدينية إنما يريد أن يمسح عن الوجه العراقي ملامحه الدينية الغالبة الآن. وإذا كان صحيحا أنه لا يمكن لهذه العمامة أن تغطي الرأس العراقي إذا تلونت بلون طائفي واحد (بالأخضر السني أو الأسود الشيعي) فإنه لا يمكن لأي غطاء آخر أن يعوضها في الوضع الراهن حتى تجد هي لونها التوفيقي الخاص بالعراق. وبمعنى آخر فإن وطنا عراقيا ذي نزعة إسلامية لا يعني بالضرورة إما أبيضا (عراقا ممزقا طائفيا) أو أسودا (قاعدة لخلافة إسلامية أشمل تهيمن فيه طائفة واحدة)، فإذا كان للعراق الوطن أن يستمر، ويعرف العراقيون بجميع أطيافهم الدينية والقومية أن ذلك هو الاحتمال الأقل سوءا في الظرف الراهن وهو السبب الرئيسي الذي يمنعهم حتى الآن من خوض حرب أهلية، فسيجد صيغته التوافقية الخاصة به ولكنها لن تكون قبعة "المرسييز" العمالية لـ"يسار عراقي" يرفض حتى فهم الواقع.
4
على عكس رؤى السيد عادل عاش ويعيش "اليسار" في العالم تحولات كبيرة جعلته يراجع الكثير من المعتقدات التي هيمنت عليه فيما مضى، في إطار هيمنة الحركة الماركسوية (لأنها لم تكن فعلا ماركسية) على اليسار خلال معظم القرن العشرين. وليس من المبالغة القول أنه توجد الآن "يسارات" وليس "يسارا" واحدا. ووصلت هذه المراجعات لتشمل قضايا كثيرة، وهو ما يحدث بشكل أكثر ظهورا ولكن ليس بشكل استثنائي، في أمريكا اللاتينية حيث يقع إعادة تعريف البرامج السياسية والاقتصادية خاصة على أسس ليبرالية ومتعارضة في المقابل مع الرؤى النيوليبرالية. وحتى في هذا الإطار يعيد كل "يسار" تعريف مختلف الظواهر المؤثرة في مجتمعاته حسب خصوصياتها بما في ذلك الظواهر الدينية والقومية وهو ما انعكس في أمريكا اللاتينية من خلال الظاهرة الفريدة من نوعها المتمثلة في "اليسار الكنسي". وإذا كان هناك مجال يستحق فيه "اليسار" أو "اليسارات" التركيز على إعادة فهم الظواهر الدينية والقومية وبشكل عام مسألة الهوية الثقافية وتعديل برامجهم على ضوئها فهي تلك الموجودة في المجال العربي والإسلامي. ليست هذه بمسألة هامشية بالنسبة لهذه التيارات بل يتوقف عليها حياتها أو موتها في مجال الفعل التاريخي. أما من سيستمر بالإعتقاد بالهامشية التاريخية لمسألة الهوية الثقافية وتحديدا أهمية الظاهرة الإسلامية في الواقع العربي الراهن وتهميشها تحت شعارات "الطائفية" و"الرجعية" مقابل الاتسمرار في رؤية العوامل الإجتماعية والاقتصادية وحدها كـ"محرك رئيسي" للتاريخ البشري (و العربي، والعراقي... الخ) فإنه لا يقوم إلا بوضع نفسه خارج التاريخ السياسي في أقل الأحوال لنصف القرن القادم. والمأساة أن السيد سميرعادل "سكرتير مؤتمر حرية العراق" ليس حالة شاذة في ذلك "اليسار العربي".
الطاهر الأسود
باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالية
">Link
Link